باب ما جاء في الوتر على الراحلة
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا مالك بن أنس، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن، عن سعيد بن يسار، قال: كنت أمشي مع ابن عمر في سفر، فتخلفت عنه، فقال: أين كنت؟ فقلت: أوترت، فقال: «أليس لك في رسول الله أسوة حسنة؟ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر على راحلته» وفي الباب عن ابن عباس. حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا: ورأوا أن يوتر الرجل على راحلته، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: لا يوتر الرجل على الراحلة، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض، وهو قول بعض أهل الكوفة
صَلاةُ النَّوافِلِ أمرُها واسِعٌ، وفيها مِن التَّيسيرِ ما يُناسِبُ أحوالَ الناسِ، والوِترُ هو آخِرُ صَلاةٍ يُصلِّيها المسلِمُ بعدَ التنفُّلِ في صَلاةِ اللَّيلِ، وإذا كان المسلِمُ مُسافرًا فله مِن الرُّخَصِ ما يُيَسِّرُ عليه أمرَ السَّفرِ مِن قَصْرِ الصَّلاةِ وغيرِ ذلك، وله أنْ يُصلِّيَ الوِترَ وهو راكِبٌ دونَ أنْ يَنزِلَ مِن على الرَّاحلةِ أو وَسيلةِ المواصلاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ سَعِيدُ بنُ يَسَارٍ أنَّه كان يَمْشي مع عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بطَريقِ مَكَّةَ وهما مُسافِران ويَسِيرانِ في اللَّيلِ، فلمَّا خافَ أنْ يُدرِكَه دُخولُ وَقتِ صَلاةِ الصُّبحِ دونَ أنْ يُصَلِّيَ الوِترَ، نزَلَ عن الرَّاحِلةِ فصلَّى الوِترَ، فقال عبدُ الله بنُ عُمَرَ له: أينَ كُنتَ؟ فقال: خَشِيتُ الصُّبحَ، فنزَلتُ فأَوْترتُ، فقال له عبدُ اللهِ: ألَيْسَ لك في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أُسوةٌ وقُدوَةٌ حَسَنةٌ تَقتدِي بها؟ فقال: بَلَى واللهِ، لي فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قُدوةٌ حَسَنةٌ، فأخْبَرَه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُصلِّي الوتْرَ وهو مُسافِرٌ فَوقَ ظَهْرِ راحِلَتِه، ويَتَوجَّهُ حيثُ توجَّهَتْ به؛ وذلك بأنْ يُكبِّرَ مُتوجِّهًا إلى القِبلةِ، فيَدخُلَ في الصَّلاةِ، ولا عليه أنْ تَذهَبَ الدَّابَّةُ في أيِّ اتِّجاهٍ بعْدَ ذلك، ويُومِئَ برَأْسِه إيماءً للرُّكوعِ والسُّجودِ، وهذا مِن التَّيسيرِ والتَّخفيفِ في أمْرِ النوَّافلِ والتَّطوُّعِ.
وأمَّا الفَريضةُ فلا تُصلَّى على الدابَّةِ لغيرِ عُذرٍ مِن خَوفٍ شَديدٍ أو مرَضٍ أو نحوِه.