باب ما جاء في بدء شأن المنبر 1
سنن ابن ماجه
حدثنا إسماعيل بن عبد الله الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب
عن أبيه، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: هل لك أن نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك الناس وتسمعهم خطبتك؟ قال: "نعم" فصنع له ثلاث درجات، فهي التي على المنبر، فلما وضع المنبر، وضعوه في موضعه الذي فيه، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم إلى المنبر، مرإلى الجذع الذي كان يخطب إليه، فلما جاوز (1) الجذع، خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع صوت الجذع، فمسحه بيده حتى سكن، ثم رجع إلى المنبر، وكان إذا صلى، صلى إليه، فلما هدم المسجد وغير، أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب، وكان عنده في بيته حتى بلي، فأكلته الأرضة وعاد رفاتا (2).
في هذا الحَديثِ مُعجِزةٌ مِن مُعْجزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهي حَنينُ الجِذعِ إليه؛ فيَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما في هذا الحَديثِ أنَّ مَسجِدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مَسْقوفًا على جُذوعٍ مِن نَخلٍ، فكانت جُذوعُ النَّخلِ له كالأعْمِدةِ، يَستَنِدُ عليه السَّقفُ، وكان إذا خطَبَ يَقومُ واقفًا مُستنِدًا على جِذْعٍ منها، فلمَّا صُنِعَ له المِنبَرُ، وقام عليه سَمِع الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم لذلك الجِذعِ الَّذي كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقِفُ عندَه، ويَستنِدُ عليه؛ صَوتًا كصَوتِ العِشارِ، يَعني: النَّاقةَ الَّتي بلَغَتْ في حَمْلِها الشَّهرَ العاشِرَ، وهو صَوتٌ كصَوتِ الحَنينِ والحُزنِ، فجاءَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوضَعَ يَدَه عليه فسكَتَ الصَّوتُ.
فذلك حالُ الجَماداتِ معَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فما بالُكَ بمَن يَمتلِكُ صِفةَ الإحْساسِ الفِطريَّةَ! فاللَّهُمَّ ارْزُقْنا حُبَّ نَبيِّكَ وحُسنَ اتِّباعِه، وصُحبَتَه في الآخِرةِ برَحمتِكَ يا أرحَمَ الرَّاحِمينَ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ اتِّخاذِ المِنبَرِ في المَساجدِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الوُقوفِ في الخُطبةِ على أيِّ شَيءٍ مُرتفِعٍ.