باب ما جاء في غسل القدمين 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية، قال:
رأيت عليا توضأ، فغسل قدميه إلى الكعبين، ثم قال: أردت أن أريكم طهور نبيكم - صلى الله عليه وسلم - (2).
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصينَ على تعليمِ النَّاسِ العباداتِ كما رأَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يفعَلُها؛ وقد علَّموا غيرَهم الوُضوءَ والصَّلاةَ، وسائرَ العباداتِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو حيَّةَ بنُ قيسٍ: "رأَيْتُ عليًّا توضَّأَ، فغسَل كفَّيْهِ"، والكفُّ هو راحةُ اليَدِ مع أصابعِها، "حتَّى أَنْقَاهما"، أي: أتَمَّ نظافَتَهما، فلم يُقيِّدْ غَسْلَهما بثلاثٍ؛ لأنَّ الغايةَ هي تَنظيفُهما جيِّدًا. وقيل: المرادُ بالإنقاءِ هنا هو الغَسْلُ بثلاثٍ، "ثمَّ تمضمَضَ ثلاثًا"، أي: ثلاثَ مرَّاتٍ، والمضمَضةُ: تحريكُ الماءِ في الفَمِ وإدارَتُه فيه ثمَّ إلقاؤُه، "واستنشَقَ ثلاثًا"، والاستنشاقُ: إيصالُ الماءِ إلى أعلى الأنفِ والخياشيمِ؛ تنظيفًا لِمَا يجتمِعُ في داخِلِها، "وغسَلَ وجهَه ثلاثًا"، والوجهُ ما بين مَنبِتِ شَعَرِ الرَّأسِ إلى الذَّقنِ واللِّحيةِ طُولًا، ومِن الأُذُنِ إلى الأُذُنِ الأخرى عَرْضًا، يفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ، "وغسَل ذراعَيْهِ ثلاثًا ثلاثًا"، أي: ثمَّ يغسِلُ ذراعَه الأيمنَ إلى المِرفَقِ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ يَتحوَّلُ إلى الأيسَرِ فيفعَلُ به مِثْلَ ذلك، "ثمَّ مسَح برأسِه"، أي: بإمرارِ يدِه المُبتلَّةِ بالماءِ، أو بها أثَرُ الماءِ على رأسِه، وذلك مرَّةً واحدةً، "ثمَّ غسَل قدَمَيْهِ إلى الكعبَيْنِ"، تثنيةُ كعبٍ، وهو: العَظْمتانِ النَّاتِئتانِ في أعلى القَدَمِ، وفي روايةٍ: "ثمَّ غسَل رِجْلَه اليُمْنى إلى الكعبينِ ثلاثًا، ثمَّ اليُسرى كذلك".
قال أبو حيَّةَ: "ثمَّ قام"، أي: قام عليُّ بنُ أبي طالبٍ واقفًا بعدما أنهى وُضوءَه، "فأخَذ فَضْلَ طَهُورِه"، أي: ما بَقِيَ مِن ماءِ الوُضوءِ الَّذي لم يُستعمَلْ، "فشرِبَ وهو قائمٌ"، أي: شرِبَ ما تبقَّى مِن ماءٍ بعد الوُضوءِ، ثمَّ قال: "أحبَبْتُ أن أُريَكم كيف طُهورُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أَنَّه فعَل هذا اتِّباعًا لسنَّتِه الشَّريفةِ؛ وتعليمًا لِمَن بعدَه، ولتَبْقى سنَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيهم.
وفي الحديثِ: تعليمُ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم لغيرِهم بالقولِ والفعلِ .