‌‌باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد

حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه «نهى عن تناشد الأشعار في المسجد، وعن البيع والاشتراء فيه، وأن يتحلق الناس فيه يوم الجمعة قبل الصلاة». وفي الباب عن بريدة، وجابر، وأنس، «حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث حسن»، «وعمرو بن شعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص»، قال محمد بن إسماعيل: «رأيت أحمد، وإسحاق، وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب»، قال محمد: «وقد سمع شعيب بن محمد، من عبد الله بن عمرو»،: «ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه، لأنه يحدث عن صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده». قال علي بن عبد الله: وذكر عن يحيى بن سعيد أنه قال: «حديث عمرو بن شعيب عندنا واه»، «وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد، وبه يقول أحمد، وإسحاق»، " وقد روي عن بعض أهل العلم من التابعين: رخصة في البيع والشراء في المسجد «، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث» رخصة في إنشاد الشعر في المسجد "
‌‌

المساجِدُ بُيوتُ اللهِ في الأرضِ، والهَدَفُ مِن بِنائِها عِبادةُ اللهِ تعالى فيها، وإقامةُ الصَّلاةِ، وذِكرُ اللهِ فيها، ولم تُجعَلْ لأُمورِ الدُّنيا كالبَيعِ والشِّراءِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهى عن تَناشُدِ الأشعارِ في المسجِدِ"، أي: نَهَى صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يكونَ المسجِدُ مَحَلًّا لِإلْقاءِ الشِّعرِ؛ قيل: والمُرادُ بالأشعارِ هي الأشعارُ المذمومَةُ، فأمَّا أشعارُ الإسلامِ والمُحقِّينَ فغيرُ مَحظورةٍ، وقيَّدهُ هنا بالمسجِدِ وإنْ كان مِثلُ ذلك محظورًا داخلَ المسجدِ وخارجَه؛ مُبالَغةً في تَنزيهِ المسجدِ عن الفاحِشِ من القَولِ، ولقُربِهم بعَهدِ الجاهليَّةِ، ووُجودِ حالةِ التَّفاخُرِ والهِجاءِ ونحوِه، "وعن البَيعِ والشَّراءِ"، أي: إقامتِه وعَقدِهِ، ويُلحَقُ به ما في معناهُ مِن العُقودِ، كالإجارةِ وغيرِها؛ لأنَّ المساجِدَ بُنِيَتْ لأداءِ الفرائضِ والأذكارِ، "وعنِ التَّحلُّقِ فيه يومَ الجُمعةِ قبْلَ الصَّلاةِ"، أيِ: نَهَى صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن القُعودِ حِلَقًا حِلقًا قَبلَ صَلاةِ الجُمُعةِ؛ لأنَّه يَقطعُ الصُّفوفَ، مع كونِهم مأْمورينَ يومَ الجُمُعةِ بالتَّبكيرِ والتَّراصِّ في الصُّفوفِ، "وعن نَشدِ الضَّالَّةِ"، والضَّالَّةُ: كلُّ ما فُقِدَ أو ضاع مِن حَيوانٍ، أو مَتاعٍ، أو مالٍ، أو غيرِ ذلك، ونَشْدُ الضَّالَّةِ هو طلَبُها والاسترشادُ عنها، والإعلامُ عن ضَياعِها، ومع هذا النَّهيِ أيضًا ورَدَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءُ على مَن فَعَل ذلك بعَدمِ وُجدانِ ضالَّتِه، كما في صَحيحِ مُسلمٍ؛ فقال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن سمِعَ رجُلًا يَنشُدُ ضالَّةً في المسجدِ، فلْيَقُلْ: لا ردَّها اللهُ عليك؛ فإنَّ المساجِدَ لم تُبْنَ لهذا".
وفي الحديثِ: الحثُّ على عدَمِ رَفْعِ الأصواتِ في المساجِدِ، وعلى حِفظِها مِن كلِّ ما يُزيلُ رُوحَ الخُشوعِ، أو يُؤثِّرُ في المُتعبِّدينَ.