باب ما جاء في النوم في المسجد
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: «كنا ننام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن شباب»، «حديث ابن عمر حديث حسن صحيح»، «وقد رخص قوم من أهل العلم في النوم في المسجد»، قال ابن عباس: «لا يتخذه مبيتا ومقيلا»، «وقوم من أهل العلم ذهبوا إلى قول ابن عباس»
للمسجِدِ حُرمةٌ ومَكانةٌ عظيمةٌ في قُلوبِ المسلِمينَ، وقد علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يُباحُ فيه وما لا يُباحُ.
وفي هذا الحَديثِ يخبِرُ نافعٌ مَولى ابنِ عُمرَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أخبَرَه أنَّه عندَما كان شابًّا عَزَبًا لا زَوْجةَ له، وهو وإنْ كان مفهومًا من كَلمةِ (أعْزَب)؛ لكِنَّه ذَكَرَه تأكيدًا، وأصْلُ العُزوبةِ: الغَيْبةُ والبُعْدُ، وسُمِّي عَزَبًا؛ لبُعْدِ عَهْدِه بالجِماعِ- أنَّه كان يَنامُ في مسجِدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قيل: كان يَبيتُ لأنَّه لم يكُنْ له بيتٌ خاصٌّ به. ويحتملُ أنَّه كان يَبيتُ في المسجِدِ لِيَكونَ قريبًا مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيَتعلَّمَ منه، ويُصلِّيَ في المسجِدِ متى شاءَ.وقد ثبَتَ أنَّ العُرَنِيِّينَ كانوا يَنامُون في المسجِدِ، وثبَتَ في الصَّحيحَينِ: أنَّ عليًّا رَضيَ اللهُ عنه نامَ في المسجِدِ، وأنَّ صَفْوانَ بنَ أُمَيَّةَ نام فيه، وأنَّ المرأةَ صاحبةَ الوِشاحِ كانت تَنامُ فيه، وكذا ثبَت عن جماعاتٍ آخَرينَ مِن الصَّحابةِ، وكذا جاء أنَّ ثُمامةَ بنَ أُثالٍ كان يَبِيتُ فيه قبْلَ إسلامِه، وكلُّ هذا في زمنِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهذا يدُلُّ على مشروعيَّةِ المَبِيتِ والنَّومِ في المسجِدِ، وخاصَّةً للفُقراءِ ومَن ليس له بَيتٌ.وفي هذا دعوةٌ إلى أنَّ المساجِدَ هي مَأْوى للفُقراءِ، خاصَّةً بعْدَما أصبحَتْ تُشيَّدُ على بُنْيانٍ ومَبانٍ تَصلُحُ لهذا الإيواءِ.