‌‌باب ما جاء في كم تقصر الصلاة1

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في كم تقصر الصلاة1

حدثنا أحمد بن منيع قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي قال: حدثنا أنس بن مالك، قال: «خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصلى ركعتين»، قال: قلت لأنس: كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرا وفي الباب عن ابن عباس، وجابر. حديث أنس حديث حسن صحيح. وقد روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين. قال ابن عباس: «فنحن إذا أقمنا ما بيننا وبين تسع عشرة، صلينا ركعتين، وإن زدنا على ذلك أتممنا الصلاة». وروي عن علي، أنه قال: «من أقام عشرة أيام أتم الصلاة» وروي عن ابن عمر، أنه قال: «من أقام خمسة عشر يوما أتم الصلاة»، وروي عنه «ثنتي عشرة» وروي عن سعيد بن المسيب، أنه قال: «إذا أقام أربعا صلى أربعا»، وروى عنه ذلك قتادة، وعطاء الخراساني، وروى عنه داود بن أبي هند خلاف هذا. واختلف أهل العلم بعد في ذلك، فأما سفيان الثوري، وأهل الكوفة فذهبوا إلى توقيت خمس عشرة، وقالوا: إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتم الصلاة. وقال الأوزاعي: «إذا أجمع على إقامة ثنتي عشرة أتم الصلاة» وقال مالك، والشافعي، وأحمد: «إذا أجمع على إقامة أربعة أتم الصلاة». وأما إسحاق فرأى أقوى المذاهب فيه حديث ابن عباس قال: لأنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تأوله بعد النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أجمع على إقامة تسع عشرة أتم الصلاة. ثم أجمع أهل العلم على أن المسافر يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون
‌‌

منْ رحمةِ اللهِ تعالى بعِبادِه أنْ شَرَع لهم في السَّفرِ أحكامًا خاصَّةً تتناسَبُ مع المشقَّةِ الَّتي يُعانُونَها في سفَرِهِم، ومِنْ هذه الأحكامِ قصرُ الصَّلاةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "خرَجْنا"، أي: الصَّحابةُ، "مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم" في سفَرٍ، قيلَ: هو حِجَّةُ الوَداعِ، "مِنَ المدينةِ إلى مكَّةَ"، أي: خارِجينَ منَ المدينةِ المنوَّرةِ ومتوجِّهينَ إلى مكَّةَ المكرَّمةِ، "فصلَّى" رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالنَّاسِ، "ركعتَينِ" قَصْرًا في الرُّباعيَّةِ.
"قال" أبو إسحاقَ الحضرَميُّ: قلْتُ "لأنَسِ" بنِ مالكٍ: "كم"، أي: كم يومًا، "أقامَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بمكَّةَ؟" في حِجَّةِ الوداعِ، "قال" أنسُ بنُ مالكٍ: "عَشْرًا"، أي: عَشْرةَ أيَّامٍ، ولم يَقُمِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم العَشرَ التي أقامَها لحجَّةِ الوداع بموضعٍ واحدٍ كما في رواياتِ حَجَّتِه؛ لأنَّه دخَل مكَّةَ يومَ الأحدِ لصُبحِ رابعةٍ مِن ذي الحجة، وخرَج منها صبيحةَ الخميسِ، فأقام بمنًى، والجُمُعةَ بنَمرة وعَرَفات، ثم عاد السَّبتَ إلى مِنًى لقضاءِ نُسكِه، ثم بمكَّةَ لطوافِ الإفاضة، ثم بمنًى يومَه فأقامَ بها بقيَّتَه، والأحد والاثنين والثلاثاء إلى الزوال، ثم نفَر فنزَل بالمحصِّب وطاف في ليلتِه للوداعِ، ثم رحَل قبلَ صلاةِ الصُّبحِ، في الرابع عشرَ؛ فتكون مُدَّةُ الإقامةِ بمكَّة وضواحيها عشرةَ أيَّام بليالِيها، وكانتْ إقامتُه متفرِّقةً، وكان يَقصُر فيها الصَّلاةَ.