باب ما جاء في يوم الحج الأكبر1
سنن الترمذى
حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر، فقال: «يوم النحر»
اتَّهمَ المُنافِقونَ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه بالكَثيرِ مِن التُّهمِ، ورَمَوْه بالكَثيرِ مِن الباطلِ بعْدَ قيامِ الفِتْنةِ الَّتي انتهَتْ باستِشْهادِه رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ بَعضُ هذه التُّهمِ الَّتي رمَوْه بها بالباطِلِ، حيثُ يَرْوي التَّابِعيُّ عُثمانُ بنُ مَوْهَبٍ أنَّه قد جاء رَجلٌ مِن أهلِ مِصرَ للحَجِّ، فوجَدَ قَومًا مِن قُرَيشٍ يَجلِسونَ، فسَأَل عن كَبيرِهم، فأشاروا إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فذكَر له بَعضًا مِن الشُّبُهاتِ الَّتي أُثيرَتْ في حقِّ الخَليفةِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له: هلْ تَعلَمُ أنَّ عُثمانَ فرَّ يومَ أُحدٍ؟ أي: في غَزْوةِ أُحدٍ، وكانت في السَّنةِ الثَّالثةِ منَ الهِجرةِ، فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، فقال له الرَّجلُ: تَعلَمُ أنَّه تَغيَّبَ عن بَدرٍ؟ أي: في غَزْوةِ بَدرٍ، والَّتي وقَعَت في السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهِجرةِ، قال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، قال الرَّجلُ: تَعلَمُ أنَّه تغيَّبَ عن بَيْعةِ الرِّضْوانِ؟ وهي بَيْعةُ الشَّجَرةِ، والَّتي وقَعَت في عامِ الحُدَيْبيَةِ في العامِ السَّادسِ منَ الهِجْرةِ، وسُمِّيَت بذلك؛ لِمَا شَمِلَهم في تلك البَيْعةِ مِن رِضْوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعَفوِه. فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، فقال الرَّجلُ: اللهُ أكبَرُ! فرَحًا بجَوابِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما؛ ظنًّا منه أنَّ هذا يُؤيِّدُ ما رَمَوْا به عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما للرَّجلِ: «تعالَ أُبيِّنْ لكَ» حَقيقةَ كلِّ تُهْمةٍ وشُبْهةٍ منَ الَّتي ذكَرْتَها، فأمَّا فِرارُه يومَ أُحدٍ، فكان فيمَن أخْطأَ مِن المُسلِمينَ، وقدْ عَفا اللهُ عنهم، وغفَرَ لهم، وأمَّا عدَمُ حُضورِه لغَزْوةِ بَدرٍ؛ فذلك لأنَّ زَوجَتَه بنتَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت مَريضةً، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجُلوسِ معَها، وقال له: «إنَّ لكَ أجْرَ رَجلٍ ممَّن شَهِدَ بَدرًا وسَهْمَه»، أي: له أجْرُ مَن شهِدَ الغَزْوةَ ونَصيبُه منَ الغَنيمةِ، وأمَّا تَغيُّبُه عن بَيْعةِ الرِّضوانِ يومَ الحُدَيْبيَةِ؛ فذلك لأنَّه كان أعزَّ النَّاسِ نَسبًا، فبَعثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لقُرَيشٍ مِن أجْلِ شَرفِه ونَسبِه فيهم، وكانت بَيْعةُ الرِّضْوانِ بعْدَ أنْ بعَثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مكَّةَ، فبايَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن حضَر، ثُمَّ ضرَب بيَدِه اليُمْنى على اليُسْرى، وقال: هذه يَدُ عُثمانَ، فعقَد البَيْعةَ لعُثمانَ وهو غائبٌ، ثمَّ قال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما للرَّجلِ بعْدَ أنْ بيَّنَ له حَقيقةَ ما يُرْمى به عُثمانُ بالباطِلِ: «اذهَبْ بها الآنَ معَكَ»، أي: حتَّى يَزولَ عنكَ ما كُنتَ تَعتقِدُه مِن عَيبِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: فَضيلةُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وعِلمُه، ودَقيقُ فِقهِه، وجوابُه الحَسنُ على مَن سَألَه.