باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن يحيى القطعي البصري قال: حدثنا عبد العزيز بن ربيعة البناني قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه» قيل: يا رسول الله، فمن هلك قبل ذلك؟ قال: «الله أعلم بما كانوا عاملين به» حدثنا أبو كريب، والحسين بن حريث، قالا: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه، وقال: «يولد على الفطرة»،: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه شعبة، وغيره، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يولد على الفطرة» وفي الباب عن الأسود بن سريع
_______________________________________________________________
خَلَقَ اللهُ سُبحانَه وتعالى الخَلْقَ والأكوانَ على فِطرةِ الحقِّ ومعرفتِه، وهداهُم إلى مَعرفةِ الخيرِ والشَّرِّ، وقَدَّرَ مَقاديرَ كلِّ شيءٍ، وبعِلمِه عَلِمَ أهلَ الجنَّةِ وأهلَ النَّارِ، وكُلٌّ مُيسَّرٌ لِما خُلِقَ لَه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "كلُّ مَولودٍ"، أي: مِن بَني آدمَ، "يُولَدُ على المِلَّةِ"، أي: الإسلامِ، "فأَبَواه يُهوِّدانه، ويُنصِّرانه، ويُشَرِّكانه"، أي: يَجْعلانِه ويكونَانِ سببًا في تَحوُّلِه إلى اليهوديَّةِ أو النَّصرانيَّةِ، أو أنْ يُشرِكَ باللهِ عزَّ وجلَّ كأنْ يَعبُدَ الأصنامَ أو النارَ أو غيرَ ذلك ممَّا يُعبَدُ مِن دونِ اللهِ تعالى، "قِيل: فمَن هلَكَ قبْلَ ذلك؟"، أي: يَسألُ الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عمَّن مات قَبلَ أنْ يَتحوَّلَ إلى مِلَّةٍ أُخرى غَيرِ مِلَّةِ الإسلامِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللهُ أعلمُ بما كانوا عامِلين"، أي: إنَّهم تَبَعٌ لهم في الدُّنيا، وأمَّا الآخِرةُ فمَوكولٌ أمْرُهم إلى عِلْمِ اللهِ تعالَى بهم؛ لأنَّ اللهَ سبحانه وتعالَى هو العالِمُ بما كان وما سيكونُ، وما لم يَكُنْ لو كان كيْفَ سيكونُ؛ فالَّذين ماتوا في صِغَرِهم قَبْلَ أنْ يَبلغوا ويَجري عليهمُ القَلمُ يَعْلمُ اللهُ سبحانه وتعالى حِينَ خَلَقَهم لو بلَغوا وكَبِروا كيْفَ كانوا سيَعملون؛ هلْ يُسْلمونَ أم يَكونونَ على دِينِ آبائهم، وهذا معنَى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اللهُ إذْ خلَقَهم أعلمُ بما كانوا عامِلين"، وقد أخَذَ اللهُ العَهْدَ والميثاقَ على البشرِ أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا، كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172]؛ فمَن كذَّب وخالَفَ هذا العهدَ والميثاقَ، كان مِن أهلِ النَّارِ، ومَن مات صَغيرًا قَبْلَ التّكليفِ، مات على الميثاقِ الأوَّلِ. ومذهبُ السَّلفِ وأهلِ السُّنَّةِ: أنَّهم يُمْتَحنون يَومَ القِيامةِ؛ فمَن أطاعَ دَخَلَ الجَنَّةَ ومَن عَصَى دَخَلَ النَّارَ.
وفي الحديث: الإرشادُ إلى التَّوقُّفِ في الأمورِ المُبْهَمَةِ، والسُّكوتِ عمَّا لا عِلْمَ لهم بِه