باب ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته
حدثنا عمرو بن عثمان الحمصى ويزيد بن قبيس - من أهل جبلة ساحل حمص وهذا لفظ يزيد - قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله يقول حدثنا أبو ثعلبة الخشنى قال كان الناس إذا نزلوا منزلا - قال عمرو كان الناس إذا نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزلا - تفرقوا فى الشعاب والأودية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إن تفرقكم فى هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان ». فلم ينزل بعد ذلك منزلا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم.
حثَّ الإسلامُ على الاتِّحادِ والجماعَةِ، وذَمَّ الفُرْقَةَ والتَّفرُّقَ؛ فلم تَزَلِ الفُرْقَةُ صِفةً مَذمومَةً قديمًا وحديثًا، وهي سببٌ للفَشلِ والهزيمةِ والضَّعفِ
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو ثعْلبةَ الخُشَنيُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّه "كان النَّاسُ"، أي: المسلِمون، "إذا نزَلوا منزِلًا"، أي: إذا كانوا في سَفَرٍ وأرادوا أنْ يَرْتاحوا مِن تعَبِ السَّفَرِ ويُقيموا في مكانٍ؛ لِراحَةِ إبِلِهم وخُيولِهم، "تفَرَّقوا"، أي: انتَشَروا ولم يَجتَمِعوا في مَكانٍ واحدٍ، "في الشِّعابِ"، أي: شِعابِ الجِبالِ؛ وهي الطُّرُقُ الَّتي وسَطَ الِجبالِ، "والأودِيَةِ"، وهي الأماكِنُ الواسِعَةُ بينَ الجِبالِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ تَفرُّقَكم في هذه الشِّعابِ والأودِيَةِ إنَّما ذلكم مِن الشَّيطانِ"، أي: إنَّ انتِشارَكم في هذه الطُّرُقِ والأماكِنِ الَّتي بينَ الجِبالِ وعدَمَ تجمُّعِكم في مَكانٍ واحِدٍ هو مِن وَسوسَةِ الشَّيطانِ وفِعْلِه علَيكم، "فلم يَنزِلْ بعد ذلك مَنزِلًا"، أي: فلم يَذهَبِ المسلِمون بعدَها إلى مَكانٍ، "إلَّا انضَمَّ بَعضُهم إلى بعضٍ"، أي: إلَّا اجتَمَعوا في مكانٍ واحدٍ ولم يتَفرَّقوا، "حتَّى يُقالَ"، أي: حتَّى يُقالَ مُبالَغةً مِن شِدَّةِ تجمُّعِهم وتَقرُّبِهم مِن بَعضِهم البعضِ: "لو بُسِط"، أي: لو فُرِشَ، "عليهم ثوبٌ"، أي: غِطاءٌ يوضَعُ عليهم، "لعَمَّهم"، أي: لغَطَّاهم جميعًا دونَ استِثناءِ أحَدٍ، والمقصودُ لو أرادَ أحَدٌ أنْ يُغطِّيَهم بغِطاءٍ لغَطَّاهم بثَوْبٍ واحِدٍ كلَّهم وكَفَاهم؛ لشِدَّةِ قُرْبِهم مِن بَعضِهم