باب ما يقول إذا رجع من السفر2
سنن الترمذى
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن حميد، عن أنس، «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدران المدينة، أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حبها»: «هذا حديث حسن صحيح غريب»
كانتِ المدينةُ النَّبويَّةُ مِن أحبِّ البِلادِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهي مَكانُ هِجرتِه ومَوضِعُ نُصرتِه، أقامَ بها دَولةَ الإسلامِ، وانتشَرَ منها إلى سائِرِ بِلادِ العربِ والعَجَمِ.
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لبَعضِ دَلائِلِ حُبِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للمَدينةِ، حيثُ يَحكِي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا قَدِمُ مِن سَفَرٍ من أسفارِه ورأَى جُدُرَاتِ المدينةِ (جمْع جِدارٍ)، أي: رأَى منازِلَ المدينةِ وبُيوتَها، دفَع راحلتَه -يَعني ناقتَه- وجَعَلَها تُسرِعُ في السَّيرِ، وإنْ كان يَركبُ دابَّةً غيرَ النَّاقةِ -كالبَغلِ والفَرسِ؛ فالدَّابَّةِ أعمُّ مِن النَّاقةِ- حَرَّكها حتَّى تُسرِعَ؛ ليَصِلَ سَريعًا إلى المدينةِ؛ من شِدَّةِ حُبِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للمَدينةِ واشتياقِه إليها؛ لأنَّها مُهاجَرُه ووَطَنُه، وفيها أهْلُه ووَلَدُه وأنْصارُه مِن المُؤمنِينَ الَّذينَ هُمْ أحَبُّ النَّاسِ إليه، وقدْ جَبَلَ اللهُ النُّفوسَ على حُبِّ الأوطانِ والحَنينَ إليها، وفَعَلَ ذلك عليه السَّلامُ، وفيه أكرَمُ الأُسوةِ، وأمَرَ أُمَّتَه بسُرعةِ الرُّجوعِ إلى أهْلِهم عِندَ انقضاءِ أسْفارِهِم.
وفي الحديثِ: فضْلُ المَدينةِ النبويَّةِ ومَنزلتُها، وحُبُّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحَنينُه إليها.
وفيه: مَشروعيَّةُ حُبِّ الوَطنِ والحَنينِ إليه.