باب ما جاء في استلام الركنين
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن ابن عبيد بن عمير، عن أبيه، أن ابن عمر كان يزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحاما ما رأيت أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزاحم عليه، فقال: إن أفعل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مسحهما كفارة للخطايا» وسمعته، يقول: «من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة» وسمعته يقول: «لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله عنه خطيئة وكتب له بها حسنة»: وروى حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن ابن عبيد بن عمير، عن ابن عمر نحوه. ولم يذكر فيه عن أبيه. هذا حديث حسن
كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصينَ على اتِّباعِ سُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكذلك كان التَّابِعون مِن أحرَصِ النَّاسِ على تلَقِّي العِلْمِ مِن الصَّحابةِ رِضوانُ اللهِ علَيهم، سواءٌ بالمُجالَسةِ أو المُلاحَظةِ، وما أشكَل عليهم ردُّوه إلى الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عُبيدُ بنُ عُميرٍ: "أنَّ ابنَ عُمرَ كان يُزاحِمُ على الرُّكنَين زِحامًا"، أي: يُزاحِمُ النَّاسَ ويُغالِبُهم عندَ الكعبةِ والطَّوافِ، والمرادُ بالرُّكنَينِ: الرُّكنُ اليَماني، والرُّكنُ الَّذي به الحجَرُ الأسوَدُ، قال عُبيدٌ: "ما رأيتُ أحَدًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يفعَلُه"، أي: لا يَفعَلُ مِثلَ فِعلِ ابنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، والمرادُ بالفِعلِ: هو الزِّحامُ الَّذي كان يُزاحِمُه، فقلتُ: "يا أبا عبدِ الرَّحمنِ"، وهي كُنيةُ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما، "إنَّك تُزاحِمُ على الرُّكنَينِ زِحامًا ما رأيتُ أحَدًا مِن أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُزاحِمُ عليه؟"، فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عنهما: "إنْ أفعَلْ، فإنِّي سَمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: إنَّ مَسْحَهما"، أي: المسحَ على الرُّكنَين، "كفَّارةٌ للخَطايا"، أي: يَمْحو اللهُ بها الذُّنوبَ، والمرادُ غُفرانُ الذُّنوبِ الصَّغائرُ لا الكبائرُ، كما بيَّنَت الرِّواياتُ الأخرى؛ لأنَّ الكبائرَ لا بدَّ لها مِن التَّوبةِ وعدَمِ العَودةِ وغيرِ ذلك مِن الشُّروطِ، قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عنهما: "وسَمِعتُه"، أي: النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "يقولُ: مَن طاف بهذا البَيتِ أُسبوعًا"، أي: سَبعةَ أشواطٍ، "فأَحْصاه"، أي: أتَمَّهم وأكمَلَهم، "كان كعِتْقِ رقَبةٍ"، أي: كان أجْرُه وجَزاؤُه كأجرِ مَن حرَّر مَملوكًا مِن العبوديَّةِ، والمرادُ بالرَّقبةِ: المملوكُ عبدًا أو أمَةً، قال عبدُ اللهِ رَضِي اللهُ عنه: "وسمعتُه يقولُ: لا يضَعُ قدَمًا ولا يَرفَعُ أخرى إلَّا حطَّ اللهَ عنه خَطيئتَه وكتَب له بها حَسَنةً"، أي: وهو في طَوافِه هذا؛ فإنَّ الله يَمحو بكُلِّ خَطوةٍ سيِّئةً، ويَكتُبُ له بها حسَنةً، ولعلَّ المرادَ بالمزاحَمةِ في هذا الحديثِ هي المزاحمةُ الَّتي لا يتَأذَّى بها النَّاسُ.
وفي الحديثِ: الحثُّ والتَّرغيبُ على المُزاحَمةِ في الخيرِ، بشَرْطِ ألَّا يَتَأذَّى منه النَّاسُ.