‌‌باب ما جاء في الكلام في الطواف

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الكلام في الطواف

حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن طاوس، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير»: وقد روي هذا الحديث، عن ابن طاوس وغيره، عن طاوس، عن ابن عباس موقوفا، ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: يستحبون أن لا يتكلم الرجل في الطواف إلا لحاجة، أو بذكر الله تعالى، أو من العلم
‌‌

قوله : ( بسير ) بمهملة مفتوحة وياء ساكنة معروف ، وهو ما يقد من الجلد وهو الشراك .

قوله : ( أو بشيء غير ذلك ) كأن الراوي لم يضبط ما كان مربوطا به ، وقد روى أحمد ، والفاكهي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك رجلين وهما مقترنان فقال : ما بال القران ؟ قالا : إنا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة ، فقال : أطلقا أنفسكما ، ليس هذا نذرا إنما النذر ما يبتغى به وجه الله . وإسناده إلى عمرو حسن ، ولم أقف على تسمية هذين الرجلين صريحا إلا أن في الطبراني من طريق فاطمة بنت مسلم " حدثني خليفة بن بشر عن أبيه أنه أسلم ، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ماله وولده ، ثم لقيه هو وابنه طلق بن بشر مقترنين بحبل فقال : ما هذا ؟ فقال : حلفت لئن رد الله علي مالي وولدي لأحجن بيت الله مقرونا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الحبل فقطعه وقال لهما : حجا ، إن هذا من عمل الشيطان . ، فيمكن أن يكون بشر وابنه طلق صاحبي هذه القصة . وأغرب الكرماني فقال : قيل اسم الرجل المقود هو ثواب ضد العقاب . انتهى . ولم أر ذلك لغيره ولا أدري من أين أخذه .

قوله : ( قد ) بضم القاف وسكون الدال فعل أمر ، وفي رواية أحمد ، والنسائي " قده " بإثبات هاء الضمير وهو للرجل المقود ، قال النووي : وقطعه عليه الصلاة والسلام السير محمول على أنه لم يمكن إزالة هذا المنكر إلا بقطعه ، أو أنه دل على صاحبه فتصرف فيه ، وقال غيره : كان أهل الجاهلية يتقربون إلى الله بمثل هذا الفعل . قلت : وهو بين من سياق حديثي عمرو بن شعيب ، وخليفة بن بشر . وقال ابن بطال في هذا الحديث : إنه يجوز للطائف فعل ما خف من الأفعال وتغيير ما يراه الطائف من المنكر .

وفيه الكلام في الأمور الواجبة والمستحبة والمباحة . قال ابن المنذر : أولى ما شغل المرء به نفسه في الطواف ذكر الله وقراءة القرآن ، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم . وحكى ابن التين خلافا في كراهة الكلام المباح . وعن مالك تقييد الكراهة بالطواف الواجب . قال ابن المنذر : واختلفوا في القراءة ، فكان ابن المبارك يقول : ليس شيء أفضل من قراءة القرآن ، وفعله مجاهد ، واستحبه الشافعي ، وأبو ثور ، وقيده الكوفيون بالسر ، وروي عن عروة ، والحسن كراهته ، وعن عطاء ، ومالك أنه محدث ، وعن مالك لا بأس به إذا أخفاه ولم يكثر منه ، قال ابن المنذر : من أباح القراءة في البوادي والطرق ومنعه في الطواف لا حجة له . ونقل ابن التين ، عن الداودي أن في هذا الحديث من نذر ما لا طاعة لله تعالى فيه لا يلزمه ، وتعقبه بأنه ليس في هذا الحديث شيء من ذلك وإنما ظاهر الحديث أنه كان ضرير البصر ولهذا قال له قده بيده . انتهى . ولا يلزم من أمره له بأن يقوده أنه كان ضريرا بل يحتمل أن يكون بمعنى آخر غير ذلك ، وأما ما أنكره من النذر فمتعقب بما في النسائي من طريق خالد بن الحارث ، عن ابن جريج في هذا الحديث أنه قال إنه نذر ، ولهذا أخرجه البخاري في أبواب النذر كما سيأتي الكلام عليه مشروحا هناك إن شاء الله تعالى .