باب ما يقول في سجود القرآن1
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس قال: حدثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: قال لي ابن جريج، أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، رأيتني الليلة وأنا نائم كأني كنت أصلي خلف شجرة، فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود - قال ابن جريج: قال لي جدك: قال ابن عباس - «فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سجدة ثم سجد»، قال ابن عباس: فسمعته وهو يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة: «هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه» وفي الباب عن أبي سعيد
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحِبُّ الرُّؤَى الصالحةَ ويَتفاءلُ بها، ويُفسِّرُها لأصحابِه ويُبَشِّرُهم، أو يُوصِيهم، وكان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم إذا رأى أحَدُهم رُؤْيَا ذهَبَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِيحكِيَها له.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "جاء رجلٌ"، قِيلَ: هو أبو سعيدٍ الـخُدْرِيُّ، "إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ، رَأَيتُني اللَّيلةَ وأنا نائمٌ"، أي: وجَدَ في نَومِه رُؤْيَا، وهي كالـحُلْمِ، "كأنِّي كنتُ أُصلِّي خلْفَ شجرةٍ، فسجَدْتُ"، أي: سجَدَ سجدةَ تِلاوةٍ، وهي التي تقَعُ عندَ تِلاوةِ آيةٍ مِن آياتِ القرآنِ فيها أمْرٌ بالسُّجودِ، "فسجَدَتِ الشجرةُ لِسُجودِي"، أي: فعندَما سجَدْتُ سجَدَتْ معي الشَّجرةُ؛ "فسمِعتُها وهي تقولُ"، أي: وسمِعْتُ الشَّجرةَ تقولُ في سُجودِها: "اللَّهُمَّ اكتُبْ لي بها عندَك أجْرًا"، أي: اجعَلْ لي بتلك السَّجدةِ أجرًا وثوابًا، "وضَعْ عنِّي بها وِزرًا"، أي: وامْحُ عنِّي بتِلك السَّجدةِ ذنْبًا، واغفِرْ لي خَطيئةً، "واجعَلْها لي عندَك ذُخْرًا"، أي: واجعَلْ تلك السَّجدةَ لي عندَك مُدَّخَرًا، وادَّخِرْ أجْرَها وثوابَها لي، "وتَقبَّلْها مِنِّي كما تقبَّلْتَها مِن عَبدِك داودَ"، أي: وتقَبَّلْ يا ربِّ منِّي تلك السجدةَ كما تقبَّلْتَ سجدةَ نبيِّك داودَ عليه السَّلامُ، وفي ذلك إشارةٌ لقولِ اللهِ عزَّ وجلَّ عن داودَ عليه السَّلامُ: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 24 - 25].
"قال ابنُ جُرَيجٍ" -وهو التَّابعيُّ عبدُ الملكِ بنُ عبدِ العزيزِ بنِ جُرَيجٍ- للحَسَنِ بنِ محمَّدِ بنِ عُبَيدِ اللهِ بنِ أبي يَزيدَ: قال لي جَدُّكَ عُبَيدُ اللهِ بنُ أبي يَزيدَ: قال ابنُ عبَّاسٍ: "فقرَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سجْدةً ثم سجَدَ"، أي: قرَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُورةً بها سَجدةُ تِلاوةٍ، ثم سجَدَ، "فسمِعْتُه وهو يَقولُ مِثلَ ما أخبَرَه الرَّجُلُ عن قولِ الشَّجرةِ"، أي: يدْعو في سُجودِه بـمِثْلِ دُعاءِ الشَّجرةِ.
وفي الحديثِ: الـحَثُّ على سُجُودِ التِّلاوةِ والإتْيانِ به في مَقامِه، واسْتِحضارِ هذا الدُّعاءِ في السُّجودِ .