باب من زوج ابنته وهي كارهة 2

سنن ابن ماجه

باب من زوج ابنته وهي كارهة 2

حدثنا هناد بن السري، حدثنا وكيع، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة
عن أبيه قال: جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء (1).

حَرَصَ الإسلامُ على حُقوقِ المَرأةِ ومَصالِحِها، ومِن هذه الحُقوقِ: ألَّا تُكْرَهَ على الزَّواجِ، وأنْ يَكونَ رَأْيُها مُعتَبَرًا في هذا الأمْرِ

وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ فَتاةً أتَتْ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَشكو إليه زَواجَها، وعِندَ أبي داودَ مِن حَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "أنَّ جاريةً بِكْرًا أتَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" والبِكرُ: هي التي لم يَسبِقْ لها الزَّواجُ، وأخبَرَتْ أنَّ أباها زَوَّجَها ابنَ أخيه، ليس لِمَصلَحةٍ إلَّا لِيَرفَعَ به خَسيسَتَه، أيْ أنَّه خَسيسٌ، فأرادَ أنْ يَجعَلَه بي عَزيزًا؛ فيُزيلَ بإنكاحي إيَّاه دَناءَتَه، ويَرفَعَ حالَه بَعدَ انحِطاطِها، والخَسيسُ: الدَّنيءُ، ويُقصَدُ به هنا قَليلُ المالِ، وكَلامُها مُشعِرٌ بأنَّه غَيرُ كُفْءٍ لها، أو أنَّها لم تَكُنْ راغِبةً فيه، ولم يَكُنْ لها خِيارٌ في ذلك، فجَعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأمْرَ إليها، بَينَ البَقاءِ مع زَوجِها، وبَينَ تَركِها إيَّاه، والنِّكاحُ مُنعَقِدٌ على كُلِّ حالٍ، فقالتِ الفَتاةُ: "فإنِّي قد أجَزتُ ما صَنَعَ أبي"، أيْ أنَّها أمضَتِ النِّكاحَ، وبَقيَتْ على زَواجِها، ثم أرجَعَتْ سَبَبَ شَكواها لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أنَّها أرادَتْ أنْ تأخُذَ منه حُكمًا عامًّا: هلِ النِّساءُ لهُنَّ حَقٌّ في أمْرِ نِكاحِهِنَّ، بحيث لا يَحِلُّ تَزويجُهُنَّ إلَّا برِضاهُنَّ، أو ليس لهُنَّ مِنَ الأمْرِ شَيءٌ، وإنَّما هو لِلأولياءِ فقط، يُزَوِّجونَهُنَّ كيف شاؤوا؟ فبَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الأمْرَ لهُنَّ، لا لِلأولياءِ، فلا يَحِلُّ لهم أنْ يُزَوِّجوهُنَّ إلَّا برِضاهُنَّ.وهذا بَيانٌ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بألَّا يَستَأْثِرَ الأولياءُ بالرَّأْيِ في زَواجِ الأبكارِ؛ لِأنَّ لهُنَّ رَأْيًا، ولا بُدَّ مِن احتِرامِه. وفي الحَديثِ: أنَّ البِكرَ تُستَأْذَنُ وتُشاوَرُ في أمْرِ زَواجِها.وفيه: بَيانُ سَبقِ الإسلامِ في اعتِبارِ رَأْيِ المَرأةِ فيما يَخُصُّها مِنَ الأُمورِ.