باب من لا تجوز شهادته 2
سنن ابن ماجه
حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني نافع ابن يزيد، عن ابن الهاد، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عطاء بن يسار
عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية" (2).
الشَّهادةُ في القضاءِ مِن أهمِّ البيِّناتِ في إثباتِ الحُقوقِ والحدودِ أو نفْيِها، وقد شرَطَ الشَّرعُ الحكيمُ في الشَّاهدِ العدالةَ والعقْلَ وعدَمَ الخصومةِ مع أحَدِ أطرافِ القضيَّةِ، مع شروطٍ أخرى، فإذا انْتفَتِ العدالةُ مِن أحَدٍ فلا تُقبَلُ شَهادتُه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه، أنَّه سَمِع النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَقولُ: "لا تَجوزُ شَهادةُ بدَويٍّ"، وهو الَّذي يَسكُنُ الصَّحراءَ؛ وذلك لِمَا يَغلِبُ عِندَه مِن الجَهالةِ بأحكامِ الشَّرعِ وعدَمِ القُدرةِ على إتْيانِ الشَّهادةِ على وَجْهِها، لعَدَمِ حُضورِه الجُمَعَ والجَماعاتِ ومجالِسَ العِلْمِ غالِبًا، وليس المقصودُ بالبَدَويِّ ما تعارَفَ عليه بَعضُ النَّاسِ من إطلاقِ هذه النِّسْبةِ على المُنتَسِبينَ لبَعضِ القَبائِلِ، "على صاحبِ قَرْيةٍ"، أي: إنَّ اختصاصَ تَرْكِ شَهادةِ البَدَويِّ عندما تَكونُ في حقِّ صاحبِ القريةِ، وهو الَّذي يَسكُنُ الحضَرَ؛ وذلك لِما جُبِلا عليه في حُصولِ التُّهمةِ بينَهما.
وقال بعضُ العلماءِ: إنَّ مَن قُبِلَت شهادتُه على أهلِ البدْوِ، قُبِلَت شَهادتُه على أهلِ القريةِ، ويُحمَلُ الحديثُ على مَن لم تُعرَفْ عَدالتُه مِن أهلِ البدوِ، ونَخُصُّه بهذا؛ لأنَّ الغالِبَ أنَّه لا يَكونُ للبدَويِّ مَن يَسأَلُه الحاكِمُ، فيَعرِفَ عَدالتَه.
والدَّليلُ على قَبولِ شَهادةِ البدَويِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قَبِلَ شهادَةَ الأعرابيِّ في هِلالِ رمَضانَ وصامَ، وأمَر النَّاسَ بالصِّيامِ، ولأنَّ أهْلَ الباديةِ أسلَمُ فِطْرةً، فكان الصِّدْقُ فيهم أغْلَبَ، فاقتَضى أن يَكونوا بقَبولِ الشَّهادةِ أجدَرَ.