‌‌باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما1

سنن الترمذى

‌‌باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما1

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي نعم، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» حدثنا سفيان بن وكيع قال: حدثنا جرير، ومحمد بن فضيل، عن يزيد، نحوه. هذا حديث حسن صحيح. وابن أبي نعم هو: عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي الكوفي

وفي هذا الحديثِ يقولُ حُذيفةُ بنُ اليَمانِ رضِيَ اللهُ عنه: سألَتْني أمِّي: "متى عَهدُك تَعني بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؟"، أي: إنَّها تَقصِدُ بهذا السؤالِ متى كانتْ آخرُ مرَّةٍ شاهَدتَ فيها النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؟ فقلتُ لها: "ما لي به عهدٌ مُنذ كذا وكذا"، أي: ما رأيتُه ولا جالَستُه منذ وقتٍ طويلٍ، "فنالَت منِّي"، أي: ذمَّتني وعابَتْني، فقلتُ لها: "دَعيني"، أي: اترُكيني "آتي" وأَقْدَمُ على "النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فأصلِّي معه المغرِبَ"، أي: ألحَقُ معه صلاةَ المغرِبِ، "وأسألُه أن يَستغفِرَ لي ولَكِ"، أي: وأطلُبُ منه أن يَدعُوَ لي ولكِ بالمغفرةِ والعفوِ، وقد كان الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم حَريصين أن يَدعُوَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويَطلُبون منه أن يَستَغفِرَ لهم.
ثمَّ قال حُذيفةُ: "فأتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فقَدِمتُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فصلَّيتُ معه صلاةَ المغرِبِ، "فصلَّى"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم النَّوافِلَ، "حتَّى صلَّى العِشاءَ"، ثمَّ "انفَتَل"، أي: انصَرَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فتَبِعتُه"، أي: لَحِقتُ به، "فسَمِع" النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم صوتي، فسأَل وقال: "مَن هذا؟ حُذيفةُ؟"، أي: أأَنت حُذيفةُ؟ فقلتُ له: نعَم، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما حاجَتُك؟"، وكأنَّ حُذيفةَ أخبَرَه بحاجَتِه، وهي أن يَستغفِرَ له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ولأمِّه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "غفَر اللهُ لك ولأمِّك".
ثمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ هذا ملَكٌ لم يَنزِلِ الأرضَ قطُّ"، أي: لم يَهبِطْ إلى الأرضِ قبلَ اللَّيلةِ، "استأذَن"، أي: إنَّ الملَكَ طلَب الإذنَ مِن ربِّه أن يُسلِّمَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ويُبشِّرُني بأنَّ فاطِمةَ سيِّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ"، أي: بأنَّ فاطمةَ بنتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لها مكانةٌ عاليةٌ ودَرجةٌ رَفيعةٌ؛ فهي أفضلُ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ، ولا تَعارُضَ بينَ ذلك وبينَ كَوْنِ مَريمَ بنتِ عِمْرانَ سيِّدةَ نِساءِ العالَمين، كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42]؛ فيَحتمِلُ أنَّ كلَّ واحدةٍ مِنهُما سيِّدةً على نساءِ أهلِ زَمانِها. وأخرَجَ الإمامُ أحمدُ في مُسنَدِه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "فاطِمةُ سيِّدةُ نِساءِ أهلِ الجنَّةِ، إلا ما كان مِن مَريمَ بنتِ عِمْرانَ"؛ فالآيةُ مُطلَقةٌ في تَفْضيلِ مريمَ عليها السَّلامُ، والحديثُ يدُلُّ على تفضيلِ فاطمةَ وأنَّها سيِّدةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ، مع غيرِ ذلك مِن الأدلَّةِ؛ فيُحتمَلُ أنَّ مريمَ عليها السَّلامُ هي أفضَلُ النِّساءِ مُطلَقًا؛ لعُمومِ الآيةِ، إلَّا في حقِّ فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فإمَّا أن تكونَ مريمُ أفضلَ، وإمَّا أن يَكونا على السَّواءِ.
"وأنَّ الحسَنَ والحُسينَ سيِّدَا شبابِ أهلِ الجنَّةِ"، أي: إنَّ الحسَنَ والحُسينَ سيِّدَا كلِّ مَن مات وهو شابٌّ ودخَل الجنَّةَ، وقيل: إنَّهما سيِّدَا شبابِ أهلِ الجنَّةِ باستِثْناءِ الأنبياءِ والخُلفاءِ الرَّاشدينَ.
وفي الحديثِ: فَضلُ فاطِمةَ والحسَنِ والحُسينِ رَضِي اللهُ عَنهم.
وفيه: مَنقبَةٌ ظاهرةٌ لحُذيفةَ بنِ اليمانِ وأُمِّه رضِيَ اللهُ عنهما.