باب: ومن سورة الأنعام2
سنن الترمذى
حدثنا علي بن خشرم قال: أخبرنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: لما نزلت: {الذين آمنوا ولم يلبسوا} [الأنعام: 82] إيمانهم بظلم شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه. قال: " ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13] ": «هذا حديث حسن صحيح»
الإشراكُ باللهِ أكبرُ الكَبائِرِ، وأعظمُ الظُّلمِ، وهو ظُلمٌ مِن المشرِكِ لنفْسِه؛ لأنَّ اللهَ أوضَحَ للجميعِ طَريقَ الهِدايةِ لمَعرفةِ اللهِ وتَوحيدِه.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا نزَل قولُه تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا}، أي: يَخلِطوا {إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] -شقَّ على أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ ظنًّا منهم أنَّ المرادَ بالظُّلمِ مُطلَقُ المعاصي، كما يَتبادَرُ إلى الفَهمِ، لا سيَّما مِن التَّنكيرِ في قولِه: {بِظُلْمٍ} الَّذي يُفيدُ العمومَ، وإنَّما شقَّ عليهم؛ لأنَّ ظاهرَ الظُّلمِ الاعتداءُ على حُقوقِ النَّاسِ، وما ظلَموا به أنفُسَهم مِن ارتكابِ المعاصي، فظنُّوا أنَّ المرادَ به هنا معناهُ الظَّاهرُ المتبادرُ إلى الأفهامِ منه، وهو وضْعُ الشَّيءِ في غيرِ مَوضعِه، وهو مُخالفةُ الشَّرعِ، فشَقَّ عليهم؛ لأنَّ أحدًا لا يَسلَمُ مِن الوقوعِ في بعضِ ذلك، فأنزَل اللهُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، فتبيَّن أنَّ المرادَ أعظمُ أنواعِ الظُّلمِ، وهو الشِّركُ، وكونُ الشِّركِ ظُلمًا؛ لأنَّ اللهَ سُبحانه هو المُنعِمُ، فإذا أشرَك عبدُه معه غيرَه، فقد جاء بظُلمٍ عَظيمٍ.