‌‌باب: ومن سورة المائدة12

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة المائدة12

حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن أبي هريرة، قال: " يلقى عيسى حجته ولقاه الله في قوله: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} [المائدة: 116] " قال أبو هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، " فلقاه الله: {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق} [المائدة: 116] " الآية كلها: «هذا حديث حسن صحيح»

اللهُ عزَّ وجلَّ سوفَ يسأَلُ الأنبياءَ يومَ القيامةِ عمَّا أجابَتْ به أُمَمُهم وقومُهم، وماذا قالوا لهم؛ حتَّى يُبرِّئَ اللهُ رُسلَه، ويكونَ الخزيُ على الكافرينَ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يُلقَّى عِيسَى حُجَّتَه"، أي: إنَّ اللهَ تعالى يُعلِّمُ ويُرشِدُ عيسى عليه السَّلامُ حُجَّتَه، فلقَّاه اللهُ في قولِه تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 116]، أي: يخاطِبُ اللهُ تعالى نبيَّه عيسى، ويسأَلُه وهو أعلَمُ: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، أي: أنتَ دعوتَ النَّاسَ إلى أن يعبُدوكَ أنتَ وأمَّكَ مِن دونِ اللهِ؟! قال أبو هُرَيرةَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فلقَّاه اللهُ"، أي: أعلَمَه اللهُ حُجَّتَه، وهي: {سُبْحَانَكَ}، أي: تنزَّهْتَ يا ربِّ عن ذلكَ، {مَا يَكُونُ لِي}، أي: ما يَنبغي لي {أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}، أي: أن أدَّعِيَ لنفسي ما ليس لها؛ فإنَّني عبدٌ، وما أمَرْتُهم إلَّا بالتَّوحيدِ، الآيةَ كلَّها، وهي: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ}، أي: مِن دعوةِ النَّاسِ لعبادتي وأمِّي {فَقَدْ عَلِمْتَهُ}، أي: إنَّكَ تعلَمُ، فرَدَّ العِلمَ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، واللهُ يعلَمُ أنَّه لم يقُلْ ذلك، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}؛ فإنَّكَ لا يَخفَى عليك شيءٌ مِن أمري، سِرِّي وعلانيتي، {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}، أي: إنَّك مُحيطٌ بالعلومِ الغَيبيَّةِ، ما كان منها وما سيكونُ، وما هو كائنٌ، وهذه مَقالةٌ صادقةٌ تَنفي أكاذيبَ النَّصارى الَّتي وصفَوا بها عبدَ اللهِ ورسولَه عيسى عليه السَّلامُ.