باب: ومن سورة النساء7
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أم سلمة، أنها قالت: «يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث». فأنزل الله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} [النساء: 32] قال مجاهد: " وأنزل فيها {إن المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] وكانت أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة ": " هذا حديث مرسل، ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مرسلا، أن أم سلمة، قالت: كذا وكذا "
لقد راعَى الشَّرعُ الحكيمُ أحوالَ النَّاسِ مِن حيث النَّوعُ والقدرةُ على التَّحمُّلِ، وجعَل التَّكاليفَ أنواعًا؛ فمِنها ما يَشترِكُ فيه الجميعُ ذُكورًا وإناثًا، ومنها تكاليفُ خاصَّةً بكلِّ نوعٍ تتَناسَبُ مع طبيعةِ الخِلْقةِ، ومع ما يُناطُ بكلِّ نوعٍ مِن أعباءِ الحياةِ، دون حَيفٍ أو جَورٍ بأحَدِ النَّوعينِ، ورتَّب الأجرَ على الأعمالِ، والله يتفضَّلُ على مَن يَشاءُ مِن عبادِه.
وفي هذا الحديثِ أنَّ أمَّ سَلمةَ رضِيَ اللهُ عَنها قالتْ متعجبة من فَضلِ الرِّجالِ على النِّساءِ: "يَغْزو الرِّجالُ"، أي: يَخرُجون في الغزوِ، وقتالِ الأعداءِ، والجهادِ، "ولا تَغْزو النِّساءُ"، أي: ولا تَخرُجُ النِّساءُ مِثلَ الرِّجالِ للقِتالِ والجهادِ، فلا نُصيبُ ما يُصيبون مِن الأجرِ والثَّوابِ والشَّهادةِ والغنيمةِ، "وإنَّما لنا نِصْفُ الميراثِ"، أي: وفي الوقتِ نفسِه نَرِثُ نِصفَ ما يَرِثُه الرِّجالُ، والمعنى: أنَّ الرِّجالَ لهم الغَنيمةُ بِغَزوِهم، وليس لنا، وأيضًا سَهمُهم في الميراثِ لنا نِصفُه، فأنزل اللهُ تبارك وتعالى هذه الآيةَ: {وَلَا تَتَمَنَّوْا} أي: لا ترغَبوا {مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 32]، أي: ما أعطاه اللهُ واختَصَّ به بعضُكم دونَ البعضِ مِن درجاتِ الخيرِ والفضلِ من جهةِ الدُّنيا أو الدِّينِ؛ لأنَّ ذلك مُفْضٍ إلى الحسَدِ والتَّباغُضِ والطَّمعِ، وفي هذا شقاءٌ للنَّفسِ وفَسادٌ للدِّينِ؛ لأنَّ ذلك يكونُ اعتراضًا على ما قسَمه اللهُ.
قال مجاهدٌ: "وأُنزِل فيها"، أي: أنزَل اللهُ تعالى هذه الآيةَ في أمِّ سلَمةَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، وفي روايةٍ أخرى موضِّحةٍ: "أنَّها قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: يا نبيَّ اللهِ، ما لي أسمَعُ الرِّجالَ يُذكَرون في القرآنِ، والنِّساءَ لا يُذكَرون؟! فأنزَل اللهُ تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]، أي: إنَّها سَمِعَت ذِكْرَ الرِّجالِ كثيرًا في القرآنِ، وما يَدُلُّ على المذكَّرِ دون النِّساءِ والمؤنَّثِ، ورأَتْ أنَّ ذلك تفضيلٌ للرِّجالِ، فأنزل اللهُ الآيةَ، ومعناها: أنَّ كلًّا مِن الرِّجالَ والنِّساءَ مُكلَّفون ويُثابون على ما يَفعَلون مِن الأعمالِ الصَّالحةِ.
قال: وكانت أمُّ سلمَةِ "أوَّلَ ظَعينةٍ قَدِمَت المدينةَ مُهاجِرةً"، والظَّعينةُ هي المرأةُ تكونُ في الهودَجِ، والمقصودُ: أنَّ أمَّ سلَمةَ مِن النِّساءِ الأُوَلِ اللَّاتي هاجَرْن إلى المدينةِ.
وفي الحديثِ: بيانُ فضلِ أمِّ سلمةَ رضِيَ اللهُ عَنها.
وفيه: مُراعاةُ الشَّرعِ لأحوالِ النَّاسِ في التَّكاليفِ والأحكامِ، وأنَّ لكلِّ عاملٍ أجْرَ عمَلِه دونَ ظلمٍ لذكَرٍ أو أنثى.