شدة الموت
سنن النسائي
كانت أمُّ المؤمِنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها أحَبَّ أزْواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه، ومات صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيتِها رَضيَ اللهُ عنها
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مات وهو بيْنَ حاقِنَتها وذَاقِنَتها، والمُرادُ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مات وهو مُستنِدٌ على صَدرِها، ورَأسُه الشَّريفُ عندَ ذَقَنِها وصَدرِها، فالحاقِنةُ: هي أسفَلُ الذَّقَنِ إلى الصَّدرِ، وقيلَ: غيرُ ذلك، والذَّاقِنةُ: هي الجُزءُ العُلويُّ مِن الذَّقَنِ، أو هي طَرَفُ الحُلْقومِ، وفي رِوايةٍ أُخْرى في الصَّحيحَينِ قالت أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: «تُوفِّيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتي، وفي نَوْبَتي، وبيْنَ سَحْري ونَحْري، وجمَعَ اللهُ بيْنَ رِيقي ورِيقِه». والسَّحْرُ هو أعْلى البَطْنِ، والنَّحْرُ مَوضِعُ العِقدِ مِن الصَّدرِ، وهو نفْسُ مَعنى الحاقِنةِ والذَّاقِنةِ
ثمَّ قالت أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: «فلا أكْرَهُ شدَّةَ المَوتِ لأحدٍ أبدًا بعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: لمَّا رَأيْتُ شدَّةَ النَّزعِ في مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وشدَّةَ السَّكَراتِ والحُمَّى الَّتي أصابَتْه، مع ما له مِن المَكانةِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ لا أكْرَهُ شدَّةَ المَوتِ لأحَدٍ، فليستْ دَليلًا على العَذابِ أو سُوءِ الخاتِمةِ، وكذلك سُهولةُ النَّزعِ لَيست دَليلًا على حُسنِ الخاتِمةِ، وقدْ أوضَحَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يُشدَّدُ على المؤمِنِ في سَكَراتِ المَوتِ؛ حتَّى يُطهِّرَه اللهُ مِن ذُنوبِه
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَكانةِ عائِشةَ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: صَبرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَحمُّلُه شدَّةَ الألَمِ
وفيه: بشَريَّةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه يَعْتَريه ما يَعْتَري البشَرَ منَ الصِّحَّةِ والمرَضِ، والقوَّةِ والضَّعفِ