محاضرة 15

بطاقات دعوية

بسم الله الرحمن الرحيم

السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاتهْ، إِنِّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

هٰذِه المُحاضرة هِيَ الخَامِسَة عَشرة من (عِلْم العقيدة)، وما زَال الحَدِيْث مُتصلًا والتَمهيد ووصلنا إِلَىٰ المُوقظة التَّاسِعة، وَقَدْ بينتُ في المُحاضرة السابقة عِدة أمورٍ تتعلق بهذه المُوقظة منها:

بَيَّنْتُ مُتعلق لَيْسَ مِنَّا باعتبار الذَنب وأن هٰذَا المُتعلق هُوَ الكبيرة، بَيَّنْتُ أَن حمل السِلاح عَلَىٰ الْمُسْلِمِينَ من الْمُسْلِمِينَ كبيرةٌ من الْكَبَائِر وليست كُفرًا، وَبَيَّنْتُ معنى: «إِنَّه كان حريصًا عَلَىٰ قتل صاحبه».

كَذَلِكَ بَيَّنْتُ أَن التشبه بين الجِنسين كبيرةٌ من الْكَبَائِر، وَبَيَّنْتُ معنى التشبه وأنه المُماثلة ولكن لَيْسَ من كُل وجهٍ، بَيَّنْتُ أَن حُكم لَيْسَ مِنَّا هُوَ عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ بعينه اللَّعْن العام، بَيَّنْتُ بعض أوجه الاختلاف بين اللَّعْن وبين لَيْسَ مِنَّا.

بَيَّنْتُ حُكم النائحة أو النياحة والنَدب وأنهما كبيرتان، بَيَّنْتُ أَن حُكم لَيْسَ مِنَّا هُوَ حُكم أنا بريءٌ، كَذَلِكَ بَيَّنْتُ بعض أوجه الاختلاف بين لَيْسَ مِنَّا وأَنا بريءٌ، بَيَّنْتُ أَيْضًا أن من تعلم الرَّمْيَ وتركه لغير مانعٍ فقد وقع في كبيرةٍ من الْكَبَائِر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

واليوم إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ نبدأ في بقية الأمثلة التطبيقية؛ ولكن أُريد أَن أُكرِرَ تنبيهًا ألا وَهُوَ: أَن كثرة الأمثلة لتوكيد أن كُل ما تعلق بصيغة لَيْسَ مِنَّا هُوَ كبيرةٌ من الْكَبَائِر، وَهٰذَا قَدرٌ مُشترك بين جميع الأمثلة.

ولكن ما من مِثَالٍ إِلَّا وفيه من الفوائد الشيء الكثير الَّذِي يختلف عَنْ الحَدِيْث الآَخَر، والْمِثَال التطبيقي اليوم نبدأ من الْمِثَال: "الخَوفُ من قتل الحيات".

 

روى الطبراني رحمه الله في (الكبير) عَنْ أبي ليلى قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «مَنْ رَأَى حَيَّةً فَلَمْ يَقْتُلْهَا مخَافْة طلبها فَلَيْسَ مِنِّا»، مَنْ رَأَى حَيَّةً أي الثعابين يَعْنِي، فَلَمْ يَقْتُلْهَا مخَافة طلبها فَلَمْ يَقْتُلْهَا مخَافة، مخافة هُنا هٰذَا يُسمى مفعول لأجله؛ فَإِذًاْ هُنا حُكم وهُنا عِلة عدم القتل والعِلة مخَافة طلبها فَلَيْسَ مِنِّا.

فيا تُرى ما حُكم مَن ترك قتل الحَيات خوفًا من ثأرها؟ وَمِمَّا لَا شَكَّ فيه هٰذِه مَسْأَلَةٌ كبيرة جِدًّا؛ ولكن أُمحور هٰذِه الْمَسْأَلَة بطريق ما يُسمى بالأَّوْلى يَعْنِي ايه؟ يَعْنِي عدم القتل خوف الثأر مَسْأَلَة، فلو جئنا بعدم القتل خوف الثأر في مَسْأَلَةٍ أكبر وأثبتنا أن الْمَسْأَلَة الكبيرة حُكمها الكبيرة فَإِذًاْ مِمَّا لَا شَكَّ فيها ما دونا لنفس العِلَّة يأخذ نفس الحُكم قولًا واحدًا.

لذلك أقول: عَلَّق الشَّارِع الحكيم وَهُوَ الحُكم وَهُوَ لَيْسَ مِنَّا عَلَىٰ الخوف الَّذِي باعثه الثأر، انتبه للْكَلَام الَّذِي باعثه الثأر وَهٰذَا النوع من الخوف عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ مذمومٌ مِمَّا لَا شَكَّ فيه، وعِيَاذًا بِاللهِ لو اعتُبِر مسوغًا لترتبت عَلَىٰ ذَلِكَ مفاسد عظيمة جِدًّا جِدًّا.

أولها: إبطال شَعيرة الجِهاد لِأَنَّ الثأر فيها أشد مِمَّا لَا شَكَّ فيه.

كَذَلِكَ إبطالُ شَعيرة الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر لِأَنَّ الثأر فيها أشد عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، وكما تعلمون أَن من تَعين عَلَيْهِ الجِهاد أو تَعين عَلَيْهِ الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عن الْمُنْكَر فقد ارتكب كبيرةً من الْكَبَائِر بل هِيَ من أعظم الْكَبَائِر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

فَإِن كان هٰذَا في الجِهاد إن كان هٰذَا في الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر كبيرةٌ من الْكَبَائِر؛ إِذًاْ كُل شيءٍ تعلق بنفس العِلَّة وكان دون الجِهاد وكان دون الأمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِمَّا لَا شَكَّ فيه سيأخذ حُكم ذَلِكَ ألا وَهُوَ الكبيرة.

لذلك عادة الشَّارِع النَّهْي عَنْ الأدنى ليُفَهم الأعلى من باب أَّوْلى وَهٰذِه طريقةٌ أخرى؛ فَإِن كان الشَّارِع جعل عدم القتل أعني الحيات مخافة طلبها كبيرةٌ من الْكَبَائِر فمن باب أَّوْلى أَن يكون كَذَلِكَ ما هُوَ أعلى مِنها.

ولكن توجد أمثلة كثيرة جِدًّا في كِتَاب الله وفي سُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ؛ ولكن بمعنى آخر من جِهَةِ الأصول يُسمى باللزوم؛ لذلك مثْلًا المولى عزوجل  يَقُول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا 32﴾ [الإسراء: 32]، لَا هُنا هِيَ النهاية، تَقْرَبُوا الزِّنَا لا عِلاقة له بالزِّنَا.

ده الآية تَقُول: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا 32﴾ [الإسراء: 32]، أي لَا تَقْرَبُوا لا تتعاطوا المُقدمات والأسباب الَّتِي تؤدي إِلَىٰ الزِّنَا، فَإِن كان قَدْ حَّرْم المُقدمات حَّرْم أَن تتعاطى الأسباب الَّتِي تُؤدي إِلَىٰ ذَلِكَ، إِذًاْ من باب أَّوْلى أَن يكون الزِّنَا مُحرمًا عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

وعليه: فَإِن كانت المُقدمات هُنا مُحرمة تَعين أَن نفس الزِّنَا عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ من المُحرمات.

فتبين مِمَّا سبق أَن مَخافة الثأر من قتل الحَية وسيلة كبيرة جِدًّا لترك غايات أكبر منها بكثير، فتعين أَن لهٰذِه الوسيلة نفس حُكم الغاية قولًا واحدًا، وعليه فترك: قتل الحيات خوف الثأر من الْكَبَائِر.

وَالَّذِي يُؤكد أنها من الْكَبَائِر أَن عدم قتلها تقديمٌ لمُراد الخائف عَلَىٰ مُراد الشَّارِع، وَهٰذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه كبيرةٌ من الْكَبَائِر؛ بل ضِد هٰذِه الْمَسْأَلَة كبيرةٌ من الْكَبَائِر، كما قَالَ عُمَر رضي الله عنه للنَّبِيّ صلى الله عليه و سلم : "إني أُحبك أكثر من كُل شيء إِلَّا نفسي"، فهُنا نفس الْمَسْأَلَة مِمَّا لَا شَكَّ فيه أَن يُقدم حُب نفسه عَلَىٰ حُب النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ، هٰذَا من أكبر الْكَبَائِر كما بَيَّنْتُ ذَلِكَ آنفًا.

وَالَّذِي يُوضح ذَلِكَ: أَن قتل الحيات عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ واجبٌ وفرضٌ في الحلِ والحَرم؛ بل في حال الصَّلَاة أي حال كونك تُصلي فدل ذَلِكَ عَلَىٰ أَن ترك هٰذَا المأمور عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ كبيرةٌ عظيمة يجب أَن نتجنبها.

 

لذلك يحسن هُنا أَن أُبين بعض الأمور الَّتِي تتعلق بالحياة، فَإِن النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقٌ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ»، وأنتم تعلمون أَن الحيوانات لا تُنفر في الْحَرَم؛ ولكن نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  أكد هُنا فَقَالَ: «يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ»، وَذَكَرَ: « الْحَيَّةُ، وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ، وَالْفَأْرَةُ، وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ، وَالْحُدَيَأَةُ»، إِلَىٰ آخره في الحَدِيْث والحديث عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَة رضي الله عنها .

معلومةٌ أخرى في غاية الخطورة: نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  قَالَ: «اقتلوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ؛ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ»، والحَديثُ عِند أبي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ما معنى نقتلها وفي الصَّلَاة؟ يَعْنِي إن كُنت تُصلي ورأيت حيةً أو عقرب وجب عليك أَن تتوجه إليهما وتقتلهما ثُمَّ تعود وتُكمِل الصَّلَاة وصلاتك صَّحِيْحة قولًا واحدًا.

لذلك هٰذِه الْمَسْأَلَة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ من أكبر الْمَسَائِل الَّتِي يجب أَن تتعلمها، ومن هُنا تعلم بُطلان نِسبة قِصَّة مالك رحمه الله : أَنَّهُ كان في مُحاضرةٍ وبين تلاميذه وعقرب يلدغه ولا يُريد أَن يتحرك من مكانه، ويزعم الراوي لهٰذِه الَقِصَّة أَنَّهُ خاف انتهاك حُرمة أَن يتكلم أو أَن يفعل غَيْر قَالَ الله وَقَالَ رَسُول الله.

وَهٰذَا عِيَاذًا بِاللهِ نِسبة هٰذَا الْكَلَام إِلَىٰ مالكٍ فهو أَجْلُ من ذَلِكَ بكثير؛ وَهٰذَا الحَدِيْث هُوَ يعلمه عِلْم اليقين فَمِمَّا لَا شَكَّ فيه الصَّلَاةُ كحال أعظمُ من المُحاضرة والدرس مِمَّا لَا شَكَّ فيه، فَإِن كان في الصَّلَاة يتحرك فمن باب أولى في ذَلِكَ.

العَجب في العقرب: أَن النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ، مَا تَرك نبيًا ولا غَيْر نبي إِلَّا لّدَغهُ».

وَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَعَنَ اللَّهُ الْعَقْرَبَ، مَا تَرك مُصَلِّيًا وَلا غَيْرَ مُصَلِّي إِلَّا لَدغهُ»، إِذًاْ هٰذِه عداوة لَا بُدَّ وأن يُنبته.

طبعًا قول النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم : «ما ترك نبيًا ولا غَيْر نبي»، يبقى العقرب يعرف أم لا يعرف؟ «ومَا تَرك مُصَلِّيًا وَلا غَيْرَ مُصَلِّي»، يبقى عارف أن هٰذَا يُصلي وَهٰذَا لا يُصلي أم لا؟ أمر في غاية الخطورة ومسألةٌ كبيرة قَدْ بيناها في كِتَابٍ أنا لا أُحسن اسمه الآن.

كَذَلِكَ قَالَ صلى الله عليه و سلم : «اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ فَإِنا لم نُسالمهُن مُنذ حاربنهُن»، إِذًاْ نحن أعلنا الحرب عليهم بنص حديث رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  فكيف لا يُقتلن؟ أمرٌ في غاية الخطورة.

ولكن أُنبه عَلَىٰ نوعين من الحيات عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ إن وجدتهما في أي مكان لا يُتركان؛ ولكن يُقتلان بحرصٍ شديد قَالَ صلى الله عليه و سلم : «اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ، فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيَسُقِطَانِ الْحَبَلَ»، رواه مُسْلِم عَنْ ابْن عُمَر.

«اقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ»، يَعْنِي ثُعبان تجد عَلَىٰ ظهره خطان كالخُوصة، وَالْأَبْتَرَ هُوَ مقطوع الذَنْب أو لا ذَنْب له عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، سُمَّ العقربين إن دَخل أصابه بالعَّمى مُباشرةً وإن كانت حاملًا سَقط الحَّملُ مُباشرةً.

إِذًاْ في الحقيقة أنا ذَكَرَت هٰذَا الْمِثَال وبَيَّنْتُ الَقَدر المُشترك بين جميع الأمثلة وَهُوَ: أَن عدم قتلها كبيرة من الْكَبَائِر مخافة الثأر، وَهٰذَا يُبين بوضوح أَن مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ هُوَ الحق لَا رَيْبَ فيه، وأن نصيب الْخَوَارِج والْمُعْتَزِلَة والوعيدية والمُرجئة والشِيعة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ في باب لَيْسَ مِنَّا لَيْسَ لهم نصيبٌ من الصواب، لا من قريبٍ ولا من بعيد.

 مِثَالٌ آخر: التشبه بغير الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي التشبه باليهود والنصارى؛ لكن هَؤُلَاءِ مِلِيين فَمِن باب أَّوْلى التشبه بغير الْمِلَّيين هٰذِه كارثة، ونَسأَلُ اللهَ السَّلامَة والعَافِيَةَ عما نراه في هٰذِه الأيام.

أقول: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا»، هٰذَا حديثٌ عَنْ ابْن عَبَّاس رواه الدَيلمي رحمه الله في (مُسَند الفردوس)، هٰذَا الحَدِيْث لو تدبرته جيدًا: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا»، فَهٰذَا لفظٌ عام دخل الْكِتَابي وغير الْكِتَابي من غَيْر فَرق.

وحديثٌ آخر رواه التِّرْمِذِيّ رحمه الله عَنْ ابْن عمرو قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ مِنَّا مِنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ، وَإِنَّ تَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ».

أَيْضًا هٰذَا الحَدِيْث: «لَيْسَ مِنَّا مِنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا»، هٰذَا اللَّفْظ إِلَىٰ هُنا لفظٌ عام مِمَّا لَا شَكَّ فيه، ثُمَّ قَالَ: «لَا تَشَبَّهوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى»، فكأنه من باب أنا ما قُلْت: أَنَّهُ من باب عَطف الخاص عَلَىٰ العام، كأنه من باب عَطف الخاص عَلَىٰ العام كأنه قَالَ: أخَصُ أَن لَا تَشَبَّهوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

Ë الْفِقْهيات في الحَدِيْثين: حديث ابْن عَبَّاس اَلْأَوَّل: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا»، عامٌ من وجهين:

µ عَامٌ في الدِّين.

µ وعَامٌ في العَمْل.

كيف؟ عامٌ في الدِّين دخل الكتابي وغير الكتابي.

عامٌ في العَمل دخلت الصَّغَائِر ودخلت الْكَبَائِر، ودخل الْكُفْر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

ولكن بالنِسِبة للعَمل مِمَّا لَا شَكَّ فيه لا يتناول الْكُفْر في هٰذَا الْمِثَال، بدِلاِلة الْمِثَال المُفسِر، فَالْمِثَال المُفسِر: «فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ »، فَهٰذَا الوصَفُ بالإجماع لَيْسَ كُفرًا.

إِذًاْ تبين جليًا أولًا: أَن: «لَيْسَ مِنَّا مِنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا»، لا يَشمل الْكُفْر ولا يتناول الصَغير بأي وجَهٍ من الوجوه لِمَ؟ لِأَنَّ لَيْسَ مِنَّا -كَمَا قُلْنَا- مِرارًا وتِكرارًا: هٰذِه الصيغة تَتضمنُ وعيدًا، وتَتضمنُ ذَمًا وزَجرًا؛ وأنتم تعلمون أَن الصَّغَائِر لا نصيب لها لا في الذَم ولا في الزَجْر ولا في الوعيد كما بَيَّنَّا ذَلِكَ آنفًا.

وَالَّذِي يدلك عَلَىٰ صحة كلامِنا أَن هٰذِه الأَحَادِيْثِ جاءت في رواياتٍ أخرى: «فقد عصاني»، أو: «أنا بريءٌ»، وَقَدْ بَيَّنَّا في المُحاضرة السابقة أَن لَيْسَ مِنَّا باعتبار هٰذِه الجُزئية هِيَ قوله: «أنا بريء»، وَهِيَ قوله: «فقد عصاني».

المُشكلة في الحقيقة في مثل هٰذِه الأمثلة: أَن الهَّدي الظاهر عَلامةٌ عَلَىٰ الهَّدي الباطن، ما معنى هٰذَا؟ يَعْنِي من تَشبه بِمَا يعملون تشابهت قلوبهم مع مَن قلدوهم، ومن تشبه بقومٍ فهو مِنهم عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

لذلك نصائحنا إِلَىٰ أبنائنا وإخواننا الَّذِينَ يتشبهون باليهود والنصارى بغير الْمُسْلِمِينَ في أشياءٍ كثيرة جِدًّا، تبدأ من الملابس وتبدأ من قصات الشعر وتبدأ من حلق اللِحْى وتبدأ من حلق الشارب، وتبدأ عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ من الحَركات والسَكنات والأقوال وغير ذَلِكَ، فَهٰذَا شيءٌ خطير.

وَأَمَّا بالنِسبة للعموم في الدِّين فلا يدخل فيه أولًا غَيْر الْكِتَابي، لِأَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  انتبه كان يُحب موافقة أهل الْكِتَاب إِلَّا فِيمَا نُهي عنه، نَبِيِّنَا كان يُحب ذَلِكَ وَهٰذَا بِالنَّصِّ، طيب إحنا عايزين نقف وقفة هُنا لَا بُدَّ وأن ننتبه لها:

نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  يُوافقهم فِيمَا لم يُنهى عنه، طيب كيف عَلِم أَنَّهُ فيه نَهي؟ إِمَّا أَن يأتي النَّهْي صريح؛ وَإِمَّا أَن شريعتنا قَدْ نَسخت هٰذَا العمل وكلاهما موجودان في كِتَاب الله وفي سُّنَّة نَبِيِّنَا، لِمَ قُلْت هٰذَا الْكَلَام؟ لِأَنَّ معنى الحَدِيْث إِذًاْ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ غَيْرِنَا»، "لَيْسَ مِنَّا مَنْ عَمِلَ بِسُنَّةِ أهل الْكِتَاب الَّتِي نُهينا عنها"، إِذًاْ الَّتِي لم نُنَهى عنها هٰذِه لا إشكال فيها كما هُوَ معلومٌ في مكانه.

إن تَبين لك ما سبق سَلِم مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وأن من فَعل مثل هٰذِه الأمور قَدْ ارتكب كبيرةً من الْكَبَائِر، ولم يقع في كُفرٍ كما قَالَتْ الْخَوَارِج أو من وافقهم وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي بنعمته تَتمُ الصالحات.

ولكن في الحقيقة هُنا مَسْأَلَة مُهمة: تسليم اليهود بالأصابع هٰذَا صُنع اليهود هم الَّذِينَ اخترعوه، والتسلم بالإشارة بالأكف هٰذَا صُنع النصارى عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، وأنتم تعلمون بِالنَّصِّ والإجماع أَن تحيتنا السلام وَهٰذَا من أَوَّل الْأَشْيَاء الَّتِي أوجبها الله تبارك و تعالى عَلَىٰ أَوَّل مخلوقٍ من البشر وَهُوَ آدم، حَيْثُ قَالَ له: «اذهب إِلَىٰ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة وسَلِم عليهم: السَّلَام عَلَيْكُم، فردوا عَلَيْهِ فَقَالَ: هٰذِه تحيتك وتحية أبنائك»، فلا يحل لنا أَن نَحيد أبدًا بعدها.

 

إِذًاْ أولًا: لا يَجُوز أَن تُبدل.

ثانيًا: لا يَجُوز بأي وجهٍ من الوجوه أَن تقترن بإشارة لِأَنَّ هٰذِه في الحقيقة يكاد لا يسلم منها أحد، تَقُولُ: السلام عليكم يكون بجانبك وتعلمه له كده، أنت قرنت إشارةً بالسلام من حَقك أَن تسأل لو كان بعيدًا؟

قُلْت: هٰذِه مَسْأَلَةٌ أخرى مِمَّا لَا شَكَّ فيه، قُلْت: هُنا يَجُوز الاقتران، ما معنى يَجُوز الاقتران؟ أي لا يَجُوز أَن تنفرد بالإشارة، وَهٰذَا يحصل مِمَّا لَا شَكَّ فيه من جَمهرةٍ كثيرة؛ بل تَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم متى؟ إذا عَلِمت أَن صوتك لا يصل إليه، فَتُدعهما بإشارة حَتَّىٰ يعلم أنك تُسلِم عَلَيْهِ، كأنه أصم عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

ولها مِثَالٌ في الحقيقة لو تتذكرون قِصَّة الإشارة إشارة إِبْرَاهِيم لهاجر رضي الله عنها  عندما ذهبت إِلَىٰ فرعون مصر وجاءت وجدته يُصلي فأومئ إليها بيده يَعْنِي ما الَّذِي حَصل؟ هٰذِه الصورة الإيماء حصلت مع نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  كما في حديث أسماء بنت يزيد الأنصاري: أَن النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  مَرْ في المسجد يومًا وعُصبةٌ من النِساء يَعْنِي قعود يَعْنِي قاعدين، فألوى بيده إليهن بالسلام.

إِذًاْ إن وُجِد مانع مِمَّا لَا شَكَّ فيه يُفعل هٰذَا، وبهذا تَم التئام بين جميع النصوص؛ ولكن الَّذِي نؤكد عَلَيْهِ لا يحل أبدًا أَن تنفرد الإشارة دون النُطق.

مِثَالٌ آخر: وَهُوَ مِثَال: النُهبة اللي هُوَ النَهب يَعْنِي، روى أحمدُ رحمه الله والنسائي رحمه الله عَنْ أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَا إِسْعَادَ فِي الإِسْلامِ، وَلا عَقْرَ فِي الإِسْلامِ، وَلا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ، وَلا جَلَبَ في الإِسْلَامِ، وَلا جَنَبَ في الإِسْلَامِ، وَمَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا».

أَنا في الشاهد اَلْأَوَّل: «وَمَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا»، وَمِمَّا لَا شَكَّ فيه: «لَا إِسْعَادَ فِي الإِسْلام»، أي فَلَيْسَ مِنَّا وَهٰذِه الا هِيَ النافية للجِنس عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ؛ ولكن قبل أَن أصل إِلَىٰ: «وَمَنِ انْتَهَبَ».

 

 

«لَا إِسْعَادَ فِي الإِسْلام» إِسْعَادَ إفعال يَعْنِي كان في الْجَاهِلِيَّة إذا وقع بامرأةٍ مُصيبة كانت تنوح، فكانت تأتي صديقة لها فتُجاملها فتُساعدها في هٰذِه النِياحة، هٰذَا هُوَ معنى الإِسْعَادَ أي: «لَا إِسْعَادَ فِي الإِسْلام»، يَعْنِي لا ينفع واحدة تروح تُجامل أُخرى وتقول: أنوح معها عَلَىٰ ميتها أو عَلَىٰ مُصيبةٍ حَلت بها.

وكذلك: «وَلا عَقْرَ فِي الإِسْلامِ»، أي كانوا يعقرون الإبل عند المقابر بزعم عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

«وَلا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ»، طبعًا الشِغَارَ أمر في غاية الخطورة وللأسف الشديد هُوَ مُنتشر انتشار غَيْر عادي دون أَن يشعر كثير من الناس، الشِغَارَ أَن يتفق رجلان أَن كُل واحد منهما يتزوج أخت الآَخَر ولا مَهر بينهما، وَهٰذَا عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ ضلالٌ مُبين.

«وَلا جَلَبَ في الإِسْلَامِ»، يَعْنِي في المُسابقات مثْلًا بالفَرس يأخذ بجانبه فرس آخر، فَإِذاْ تَعب هٰذَا قَفز عَلَىٰ الْثَّانِي، أو له صورة أخرى خطيرة: إن أحد يصرخ ليُشجعه وَالآَخَر لَيْسَ كَذَلِكَ، كيف تكون مُنافسة ولا عَدل في ذَلِكَ؟ وَهٰذِه مَسْأَلَة بيناها في باب المُسابقة.

«وَلا جَنَبَ في الإِسْلَامِ»، مثلها.

حديثنا: «وَمَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا»، أولًا: الناهب لا يأخذ حُكم السارق وَذَلِكَ بِالنَّصِّ، فأنتم تعلمون أَن السارق حُكمه في كِتَاب الله حُكمه في سُّنَّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  أَن تُقطع يده: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 38﴾ [المائدة: 38].

إِذًاْ الحُكم القطع والقطع كما بَيَّنْتُ لا أدري في أي مُحاضرات بالضبط: القطع من عِند الكوع، فكثير من الناس يظن أَن هٰذَا اسمه الكوع هٰذَا اسمه مِرفق، الكوع العظمة هٰذِه الناتئة خلف الإبهام، ومثلها في القدم يُسمى البُوع؛ لذلك أهل الْعِلْم يقولون: رجلٌ لا يدري كوعه من بوعه لا يتكلم في الدِّين.

فَإِذًاْ السرقة لَا بُدَّ فيها من القطع، فَإِن سألت عَنْ الناهب؟ قُلْت: لا قطع في ذَلِكَ، وَهٰذَا بنص حديث رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ، روى أحمدُ عَنْ جابر رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ عَلَىٰ الْمُنْتَهِبِ، وَلَا عَلَىٰ الْمُخْتَلِسِ، وَلَا عَلَىٰ الْخَائِنِ قَطْعٌ» انتهت.

وَهٰذِه مِمَّا لَا شَكَّ فيه خطيرة، طيب إن كانت السرقة أثبتنا فِيمَا سبق أنها كبيرةٌ من الْكَبَائِر وفيها القطع والْمُنْتَهِبِ لَيْسَ فيه قطع فَمِمَّا لَا شَكَّ فيه يستحيل أَن تكون كُفرًا، فتَعين أنها تكون كبيرةً من الْكَبَائِر، ويستحيل أَيْضًا أَن تكون صغيرةً لِأَنَّ الصغيرة لا تعلق لها بالوعيد ولا بالذنب ولا بالزَجر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، فَسَلِم مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ في: «وَمَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا».

Å في الحقيقة توجد جَمهرة من الْمَسَائِل هُنا لَا بُدَّ من التنبيه عليها: السرقة والنُهبة بمعنى واحد باعتبار أثرهما، ما معنى بمعنى واحد؟ باعتبار الأثر ما هُوَ أثرها؟ أنك حَرمت غيرك من ماله مثْلًا، فَالَّذِي سَرق حَرم صاحب المال من ماله، والنُهبة أَيْضًا الَّذِي انتهب حَرم صاحب المال من ماله.

فهُما بهذا الاعتبار معناهما واحد؛ ولكن النُهبة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ أشدُ من السرقة باعتبار الجَهر والسِر، فالَّذِي يسرق لَا بُدَّ وأن يكون خِفيةً وَهٰذَا شرطٌ من شروط هٰذَا الباب، وَلَا بُدَّ وأن يكون المال في حِزر كأنه في خَزنة ودخلت وكسرتها ولا يدري صاحبها ذَلِكَ؛ ولكن المُنتهب خطف حاجة وجري فَهٰذَا جَهر عِيَاذًا بِاللهِ، فبهذا الاعتبار أعني الجَهر والسِر فَإِن النُهبة أشد بكثير.

كَذَلِكَ النُهبة أشدُ من السرقة باعتبار المُنتهب، ما معنى باعتبار المُنتهب؟ لِأَنَّ المُنتهب معروف، يَعْنِي أنت شُفت واحد يشد حاجة ويجري أنت عارفه وتعرف شكله فالوصول إليه أسهل مِمَّا لَا شَكَّ فيه؛ ولكن السارق لا يلزم أَن يكون معروفًا؛ بل عامة من يسرق لا يُعرَفُ بعد ذَلِكَ.

 

ولكن أُريد أَن أَختم هٰذَا الْمِثَال: لا مانع من تسمية النُهبة سرقة، قَدْ يَقُول القائل: كيف؟ قُلْت: باعتبار الجِنس ما معنى هٰذَا؟ الشيء الواحد له اسمان:

µ اسم باعتبار الجِنس.

µ واسِمٌ باعتبار العَيْن.

فمثْلًا أنت باعتبار العَين حسن وباعتبار الجِنس إنسان، فالنُهبة باعتبار الجِنس سرقة مِمَّا لَا شَكَّ فيها، وإن كان باعتبار العَين سُميت نُهبة فَهٰذِه في غاية الأهمية، سَلِم بحول الله وقوته مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وبَطُل مذهب المُرجئة وَالْخَوَارِج والْمُعْتَزِلَة والوعيدية والشِيعة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

 مِثَالٌ آخر: أَيْضًا وأُكرِر لنُبين الَقَدَر المُشترك في مُتعلق لَيْسَ مِنَّا؛ وفي نفس الوقت تُؤخذ بعض الفوائد الَّتِي تتعلق بالحلال والحَرام وتتعلق بالعقيدة وتتعلق بالأصول وغير ذَلِكَ من الأمور.

هٰذَا الْمِثَال يخص الأمانة والتخبيب، روى أحمدُ رحمه الله عَنْ بُريدة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ، وَمَنْ خَبَّبَ عَلَىٰ امْرِئٍ زَوْجَتَه أَوَ مَمْلُوكِهِ فَلَيْسَ مِنَّا»، الحَدِيْث.

تكلمت عَلَىٰ الأمانة فِيمَا سَبق، لو تتذكرون في مِثال: «لا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ»، وبينت وَجه ذَلِكَ وَالَّذِي يُؤكد مع أننا أثبتنا بالبُرهان: أَن لا النافية للجِنس لها معنى خطير جِدًّا في هٰذَا المُركَب إِلَّا أَن هٰذِه السابقة يُؤكدها قوله صلى الله عليه و سلم : «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ».

ولكن أَن أُريد الجزئيتين بعدها: «وَمَنْ خَبَّبَ عَلَىٰ امْرِئٍ زَوْجَتَه»، ما معنى خَبَّبَ؟ يَعْنِي قلبها عَلَىٰ زوجها بقصد أَن تطلب الطَّلَاق فيتزوجها انتبه فَإِنها خطيرة، والتخبيبُ لها صورٌ لا يُمكن أَن تُحصى وأخص بِالذِّكْر في هٰذَا الزمان نَسأَلُ اللهَ السَّلامَة والعَافِيَةَ لنا ولكم.

 

 

«وَمَنْ خَبَّبَ عَلَىٰ امْرِئٍ زَوْجَتَه أَوَ مَمْلُوكِهِ فَلَيْسَ مِنَّا»، هٰذِه مُشكلة كبيرة في الحقيقة يَعْنِي رَجلٌ يملك عبدًا وأنت أعجبك هٰذَا الْعَبْد نشاطه وجودة عمله وصِدقه وَإِلَىٰ آخره، تُعصيه عَلَىٰ سيده لا يعمل حاجة ولا يلتفت له ويُخرب له، فيضطر السَّيِّد أَن يعرضه للبيع فيشتريه هٰذَا وَهٰذِه والله لها أمثلة في الواقع لا يُمكن أحد أَن يتصورها، وسأذكر إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ مِثالًا أو مِثالين كما سيأتي إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

لذلك أقول: سبق بيان حُكم الحَلِف بغير الله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ»، إن كان الحَلِف بغير الله بَيَّنْتُ أَنَّهُ كبيرة من الْكَبَائِر، ولها معنى في غاية الخطورة من أراد المبنى دون الْمَعْنَى هل يقع تَحْتَ هٰذَا النَّصّ؟ بَيَّنْتُ أَنَّهُ لا وإن شئت فَعُد لما سَبق.

ولكن هل يَجُوز أَن يُطلق عَلَيْهِ شِرْك؟ نعم يَجُوز بِالنَّصِّ، قَالَ صلى الله عليه و سلم : «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أشَرَكْ»، فَهٰذَا الْفِعْل يُسمى شِرْكًا مِمَّا لَا شَكَّ فيه، ولكن الفاعل له هل مُشرك؟ هٰذِه مَسْأَلَةٌ ثانية وَقَدْ بيناها، فالحَلِف بالوصف السابق مِمَّا لَا شَكَّ فيه كبيرةٌ من الْكَبَائِر.

أَمَّا التخَبيب فهو هٰذِه الَّتِي نُريد أَن نُثبتها، والتَخبيب تقليب المرأة عَلَىٰ زوجها كما بَيَّنَّا، ثبت عَنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  كما عِند النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وغيره قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَا يَخْطُبْ»، هكذا بالسكون وثبت عِند البُخَارِيّ: «لَا يَخْطُبُ».

فلَا يَخْطُبُ عِند البُخَارِيّ هٰذِه لا النافية، ولَا يَخْطُبْ عِند النسائي رحمه الله هٰذِه لا الناهية؛ قُلْت: العِبْرَة بـــ لا الناهية فَإِن لَا يَخْطُبُ كلامٌ خَبري اللَّفْظ ولكن إنشائي الْمَعْنَى، بدِلالة ما رواه النسائي رحمه الله أي: «لَا يَخْطُبْ أحدكم عَلَىٰ خِطْبَةِ أَخِيهِ».

أنت عارف أَن فُلَانًا خَطّب امرأةً ما لا يحل لك أبدًا أَن تتقدم لخِطبتها لِمَ؟ لِأَنَّ هٰذَا تقليب، قَدْ تكون أغنى، قَدْ تكون أوجه، قَدْ تكون ذا نسبٍ أفضل، فتُضيع الفُرصة عَلَىٰ أخيك، وَهٰذَا يجلب العداوة والبغضاء مِمَّا لَا شَكَّ فيه، وَنَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم  بل الشَّرِيعَة كِتَابًا وَسُّنَّة تُحارب هٰذَا المبدأ أي توليد العداوة والبغضاء بين الْمُسْلِمِينَ هٰذَا يستحيل أَن يسكت عَلَيْهِ الشَّارِع.

لذلك قَالَ صلى الله عليه و سلم : «لَا يَخْطُبْ أحدكم عَلَىٰ خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّىٰ يَذر»، أي يترك ترك الخُطبة اذهب؛ أَمَّا أنك تعلم أَنَّهُ خَطب ثُمَّ تذهب؟ لذلك الشَّافِعِيّ رحمه الله يَقُول: إن عقد عليها أي الرَّجُل الجديد الَّذِي خَطب عَلَىٰ خِطبة أخيه لا ينعقد العَقْد، وَهٰذِه مَسْأَلَةٌ كبيرة مِمَّا لَا شَكَّ فيه.

فَإِن كان عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ لا يحل ذَلِكَ وأن ذَلِكَ كبيرةٌ من الْكَبَائِر بِالنَّصِّ والإجماع؛ فَمِمَّا لَا شَكَّ فيه مُجرد التخبيب لأنها مرحلة أي التقليب قبل ذَلِكَ فَهِيَ من باب أَّولى من باب الْكَبَائِر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، وأنها من أكبر الوسائل لإشاعة العداوة والبغضاء بين الْمُسْلِمِينَ.

وقوله: «أَوَ مَمْلُوكِهِ فَلَيْسَ مِنَّا»، قُلْت: المملوك اللي هُوَ الْعَبْد ويُقلبِه عَلَىٰ سيده للسَّبَب السابق، أنا أضرب مُجرد مِثَالًا حَتَّىٰ تتعلم أَن هُنَاك أشياءً نقع فيها عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ لا يصح أَن تقع مِنا بأي وجهٍ من الوجوه.

مثْلًا أنت ترى صنايعي مثْلًا يشتغل عِند أحد الناس، وجدته ماهرًا أمينًا وجدته في غاية النُبْل مُحترفٌ في صَنعته، فتأتي فتقول له: يُعطيك كم؟ يَقُول لك: كذا، تَقُول له: لو جئتني أنا أعُطيك أكثر، هٰذَا تقليب، هٰذَا تقليب ولا يَجُوز بأي وجهٍ من الوجوه؛ بل هٰذِه كارثة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ من الكوارث، وكَم مِن مُصيبةٍ أشعلتها وولدت العداوة والبغضاء بين الْمُسْلِمِينَ.

فتبين مِمَّا سبق: أَن التَخبيب بوجهٍ عام كبيرةٌ من الْكَبَائِر عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، فسَلِم مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، وسَقط في الغَي عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ مذهب الْخَوَارِج والْمُعْتَزِلَة والوعيدية والمُرجئة والشِيعة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

مِثَالٌ آخر: أَيْضًا في غاية الأهمية ألا هُوَ: قتل المُؤْمِن وَهٰذِه في الحقيقة تحتاج إِلَىٰ كلامٍ كبير جِدًّا أُرجيه لموضع آخر، ولكن هٰذَا الحَدِيْث أو هٰذَا الْمِثَال فيه عدم الوفاء بالعهدِ عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ.

لذلك يَقُول صلى الله عليه و سلم  في الحَدِيْث الَّذِي رواه أحمد وَمُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ، مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ أي من طاعة الأمير؛ قَدْ من لا خِبرة له أَوَّل ما يبص لكلمة جَاهِلِيَّة يَقُول لك: كَفْر؟ لا قطعًا.

«وَمَنْ قَاتَل تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لعَصَبِيَّةِ أَوْ يدعوا إِلَىٰ عَصَبِيَّةِ، أو يَنَصرُ عَصَبِيَّةِ فَقُتِل فَقِتله جَاهِلِيَّة؛ وَمَنْ خَرَجَ عَلَىٰ أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَا مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهده فَلَيْسَ مِنِّي ولَستُ مِنه»، الحَدِيْث.

كما ترى هٰذَا الحَدِيْثُ فيه جَمهرةٌ من الْمَسَائِل يصعب أَن تندمل في كِتَابٍ من شِدتها وأخذ بِالذِّكْر قتل المُؤْمِن، لأنكم تعلمون: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 93﴾ [النساء: 93]، خمس حاجات.

وَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «إِنَّ اللَّهَ احْتَجَرَ التَّوْبَةَ عَلَىٰ قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ»، مش هيتوب مش هيقبل منه التوبة، ما حُكمها هٰذِه؟ قُلْت: كبيرة من الكبيرة وسـتأتي بالتفصيل إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

ولكن الَّذِي يهمني هُنَا عدم الْوَفَاءِ بِالْعَهْد، وأنتم تعلمون كما سبق أَن عدم الْوَفَاءِ بِالْعَهْد خِصلة من خِصال المُنافقين؛ كما قَالَ صلى الله عليه و سلم : «أربعٌ من كان فيهن، أو أربعة خِصال مَنْ كُنَّ فِيهِ، أو ثَلَاثةُ خِصال فَهُوَ مُنَافِقٌ خالصًا»، فَإِن كان فيه واحدة مِنهن كانت فيه خَصلةٌ من النِّفَاق وَذَكَرَ منهن: «عَدمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ».

أولًا: «يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا»، أي يقتل وقتل المؤمن كما بَيَّنَّا كبيرة من الْكَبَائِر؛ لِأَنَّ القاتل عَلَىٰ عُجالة يُقتل حَدًا لا رِدَةً ولا كُفرًا بِالنَّصِّ والإجماع؛ لذلك يُصلى عليه وَهٰذِه أمور معروفة في الإِسْلَام.

وعَدمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ كبيرةٌ من الْكَبَائِر لأنها شُعبة من شُعب النِّفَاق وليست هِيَ كُل النِّفَاق، كما ذَكَرَت الحَدِيْث آنفًا: «فَمَنْ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهَن كان فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ»، وَذَكَرَ: «عَدمُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ».

فتبين أَن المذكورات في هٰذَا الحَدِيْث من أوله إِلَىٰ آخره هِيَ من الْكَبَائِر، وأن مُتعلِق لَيْسَ مِنَّا هُوَ الكبيرة فسَلِم مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وبان عَور مذهب الْخَوَارِج الَّذِينَ يَدعون أَنَّهُ كافرٌ، سَلِم مذهب أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وإن مات عَلَىٰ ذَلِكَ ولم يَتب مُصِرًا عَلَىٰ ذَلِكَ مُتلبسًا بذلك فَلَيْسَ مِمَّا لَا شَكَّ فيه لَيْسَ مِنا في هٰذِه الْمَسْأَلَة وإن كان مِنا في بقية الْمَسَائِل.

بَطُل أَيْضًا مذهب الْمُعْتَزِلَة الَّذِينَ اتفقوا مع الْخَوَارِج في النهاية واختلفوا في الاسم في البداية، وَكَذَلِكَ بَطُل الوعيدية الَّذِي يُفضي إِلَىٰ نَفي حقيقة الوعيد جُملةً وتفصيلًا ومنها النَّار، وكذلك المُرجئة عِيَاذًا بِاللهِ تَعَالَىٰ الَّذِينَ يَزعمون لَيْسَ مِثلنا، فَإِن الَّذِي وفى بالعَهد لَيْسَ مِثل النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ؛ بل لَيْسَ مِثل كِبار صَّحَابَة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ، وأخيرًا الشِيعة هٰذَا المذهب الغبي الَّذِي يزعم أَنَّهُ لَيْسَ من شِيعة علي رضي الله عنه .

نكتفي بهذا القَدر وَصَلَّىٰ اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَىٰ نبينا مُحَمَّد، وجزاكم اللهُ خيرًا، ونُكمِل إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ في المُحاضرة القادمة.

الطالب: أحسن الله إليكم شَّيْخنا ونفع بكم وزادكم من فَضله ...؟

الشَّيْخ: أولًا: لَا بُدَّ حضرتك تعلم ترتيب الْعِلْم، وَقَدْ ذَكَرَت ترتيب الْعِلْم في (صِفَة طالب الْعِلْم) كتابٌ لنا في صِفَة طالب الْعِلْم، بَيَّنَّا الترتيب يَعْنِي في حاجة اسمها مُفردات اللي هُوَ يَعْنِي حِفظ الْكِتَاب وَالسُّنَّة، وفي حاجة اسمها آلات آلات نظر واستدلال وفي حاجة اسمها تطبيقات، التطبيقات اللي هِيَ الْفِقْه والعقيدة والتفسير هٰذَا تطبيق.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فيه لو أحببنا نمثلها يَعْنِي بصورة المبنى أي مبنى في الدُّنْيَا يحتاج إِلَىٰ أساس، يستحيل مبنى يقف بلا أساس فآلات النظر والاستدلال هِيَ الأساس هِيَ الآلة الَّتِي تُقطع بها النصوص وتصل هٰذَا بِهٰذَا لتستنبط حُكمًا شرعيًا.

فأصول الفَهم مِمَّا لَا شَكَّ فيه خُلاصة جميع الآت النظر والاستدلال، ولا يُمكن الاستغناء عَنْ بقية آلات النظر والاستدلال: لُّغَة عَرَب، أصول فِقْه، أصول حديث، أصول تَّفْسِير، علوم قرآن، سِيرة، تراجم، طبقات.

هٰذِه الثمانية ستجد أَن أصول الفَهم، وَرغم أني كتبت مُجلدين كبيرين فيها إِلَّا أنها تحتاج أكثر من ذَلِكَ بكثير، وعندي أكثر من مائة أصل آخرين إِنْ شَاءَ اللهُ يـُتيح الله عزوجل  الْكَلَام فيها.

لذلك نرجو دراسة هٰذَا الْكِتَاب أو هٰذَا الْعِلْم بعناية فائقة لأنها هِيَ المُقدمة الَّتِي بها سيُبنى عليها النتائج، فَإِن كانت المُقدمة لَيْسَت موجودة كيف ستبني النتائج؟ ومن خِلال عِلْم أصول الفَهم بالذات ستعلم لِمَ اختلف الناس؟ لِمَ فُلَان خالف فُلَان؟ لِمَ فُلَان خالف النَّصّ الشَّرْعِي؟

فَمِمَّا لَا شَكَّ فيه هُوَ في رُتبة أعلى مِن أصول الْفِقْه وأصول الحَدِيْث وأصول التَّفْسِير وغيرها، لأنه يجمع بين هٰذِه الأمور، فأنا نصيحة يجب الاعتناء بها الْكِتَاب موجود والشرح موجود، وأنا أتذكر أني شرحتها عَلَىٰ الخليجية تقريبًا في أكثر من مائة مُحاضرة.

الطالب: أحسن الله إليكم شَّيْخنا: في مُسْلِم عَنْ ابْن عُمَر: بينَّما نحن نُصلي مع رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  إذ قَالَ رَجُلٌ من القوم: اللَّهُ أَكْبَرُ كبيرًا وَالحَمْدُ للهِ كَثِيْرًا وسُبْحَانَ اللَّهِ بكرةً وأصيلًا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم : «مَنِ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «عَجِبْتُ لَهَا فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ»؟ سؤالي: بأي موضع قَالَ هٰذَا الرَّجُل هٰذِه الكلمات ومثل هٰذِه الكلمات لا تُبطل الصَّلَاة؟

الشَّيْخ: قطعًا مِمَّا لَا شَكَّ فيه هٰذَا الرَّجُل كان يُصلي خلف النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  ولها أمثلة في الشَّرِيعَة: أَن رَجُلًا عَطس في الصَّلَاة فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ حمدًا كَثِيْرًا طيبًا مُباركًا فيه؛ فلما فَرغ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  من صلاته قَالَ: «مَنِ الْقَائِلُ؟» قَالَ: أنا، قَالَ: «والله رأيت بضع وثلاثين ملكًا يبتدرونها»، يَعْنِي يرون من الَّذِي سيأخذها اَلْأَوَّل ويطلع.

فقطعًا سُّنَّة النَّبِيّ أقوال وأفعال وتقريرات وَصِّفَات، فَالنَّبِيّ صلى الله عليه و سلم  لم يقل للرَّجُل: قُم فَعِد هٰذِه الصَّلَاة فسكوته صلى الله عليه و سلم  دليلٌ عَلَىٰ رِضاه، ودليل الرِضا دليل عَلَىٰ أَن هٰذَا من الشَّرِيعَة ولا يُبطلها بأي وجهٍ من الوجوه.

لذلك النَّبِيّ في حديث وابصة رضي الله عنه دَخل فصلى خلف الصف، يَعْنِي كان فيه فُرجة في الصف فصلى خلف الصف، فَنَبِيِّنَا بعدما فَرغ من الصَّلَاة قَالَ: «يا وابصةُ قُم فاستقبل صلاتك، لا صلاة لمُنفردٍ خلف الصَف».

فنَبِيِّنَا لا يسكت عَلَىٰ باطلٍ أبدًا، ولا يسكت عَلَىٰ شيءٍ يُبطل الصَّلَاة، فَهٰذِه مِمَّا لَا شَكَّ فيها حُكم الأُوْلَى، وَهٰذَا مِن جُملة الدُّعَاء وَالْدُّعَاء مِمَّا لَا شَكَّ فيه مشروعٌ في الصَّلَاة في جميع مواطنها قيامًا وركوعًا وسجودًا.

قَدْ يَقُول القائل: الدُّعَاء بالْقُرْآن؟ قُلْت: لا يَجُوز لا ركوعًا ولا سجودًا بل يجب عَلَيْهِ أَن يتـأول الْقُرْآن كأنك تَقُولُ: اللَّهُمَّ ربنا آتنا في الدُّنْيَا حسنة وفي الْآخِرَة حسنة وقِنا عذاب النَّار، فقولك: اللَّهُمَّ قَدْ تأولت الآية أي جئت بمعناها لا التأويل الَّذِي عِند الأصوليين.

جزاكم اللهُ خير والسَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاتهْ.