محاضرة 9

بطاقات دعوية

           

بسم الله الرحمن الرحيم

 السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاتهْ، إِنِّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْر أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

هذِه المحاضرةُ هِيَ التاسعة من علمِ العقيدة، وما زال الحديث متصلًا والموقظةَ السابعة، وَقَدْ بيّنتُ فيها أن التوحيدَ ثلاثةُ أقسامٍ:

- توحيد الربوبية.

- توحيد الألوهية.

- توحيد الأسماء والصفات.

\وَقَدْ بيّنتُ صحة هذَا التقسيم بِالنَّصِّ من كِتَاب الله، ومن سُنّةِ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ، ومن الإجماع.

\بيّنتُ كَذَلِكَ فساد لفظ: أن هذَا التقسيم مخترع وباطل.

\وبيّنتُ أن أهل البدع الَّذِينَ أنكروا ما دلَ عَلَيْهِ الْكِتَاب والسُنّة هم أنفسهم قسموا التَّوْحِيد إِلَى ثلاثة أقسام، وما قام عَلَيْهِ لا دليلٌ لا من كتابٍ ولا من سُنةٍ.

\كَذَلِكَ بيّنتُ معنى كَلِمَة التَّوْحِيد "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فأهل البدع يقولون: .......... لا معبودٌ إِلَّا الله، لا معبودٌ بحقٍ إِلَّا الله.

\بيّنتُ فساد القول بأن أولَ من قسمَ هذَا التقسيم هُوَ ابْن تَيْمِيَّة.

\بيّنتُ أن هذَا التقسيم قُسمَ قبل ابْن تَيْمِيَّة بمئات السنين، ناهيكَ عن النَّصّ الشرعي الَّذِي يؤيدهُ.

\بيّنتُ أن أهل البدع الَّذِينَ يُنكرونَ هذَا التقسيم قسموا الوجود إِلَى:

- واجب.

- وممكن.

- وممتنع.

\وبيّنتُ .... أن مَنْ قسمَ هذَا التقسيم من الباطنية القداح العُبيدي.

& واليوم إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى نبدأُ من المرحلةِ الخامسة وَهِيَ الأخيرة، هِيَ القولُ المفتـ...... ... أن غرض ابْن تَيْمِيَّة من هذَا التقسيم هُوَ تكفيرُ المخالف.

والجواب عن هٰذِه اللفظة:

أقولُ أولًا: سبقَ فضحُ قولِهم: أن التقسيمَ أحدثهُ ابنُ تَيْمِيَّة، وبيّنتُ أَنَّهُ مسبوقٌ بالكتابِ والسُنّة، وأقوال الأئمة كأبي حنيفة، وأبي يوسف، وابن بطة، وابن منده، والطحاوي، وابن جرير، والقُرطبي، وابن أبي زيد القيرواني، وغيرهم.

وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّ كان قصدُ ابْن تَيْمِيَّة من هذَا التقسيم تكفير المُخالف، فكذلك كُلُّ مَنْ ذكرتهم قصدهم تكفير المخالف.

وَمِمَّا لا شَكَّ فيه مَنْ قَالَ هذَا سيضربُ من عوام النَّاس بالنعال، فضلًا عن خواصِهم، فَهٰذَا القولُ قولُ مَنْ يعرف بما لا يعرف، ويتكلمُ بما لا يعلم، لما؟ لِأَنَّ عدم التقسيم أصلًا إجمال، والبدع والضلال لا تأتي إِلَّا من هذَا الباب وباب الْقِيَاس.

لِذَٰلِكَ يقولُ أحمد: عامة البدع من بابِ المُجمل والقياس.

فَإِنَّ التقسيمَ تفصيل، والتفصيلُ تمييزٌ وتفضيل، مِمَّا لا شَكَّ فيه، وأنا سأضربُ لك مثالًا يُفحمُ الجاهلَ ويفضحُ المُفتري، أُبيّن من خلالهِ كيف يعذر ابْن تَيْمِيَّة V المُخالف، مع أن المخالف نفسهُ ورطَ نفسهُ كما سيأتي فِي هذَا الحديث، فمعنا حديثٌ متفقٌ عَلَيْهِ عن أبي هريرةَ I قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، قَالَ لِأَهْلِهِ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِي وَاذْرُوا نِصْفِي فِي الْبَرِّ وَنِصْفِي فِي الْبَحْرِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدِرَ اللَّهُ عَلَيَّ لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا لَمْ يُعَذِّبْهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ بَعَثَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فعلت؟» ليه أنت فعلت فِي نفسك وأمرت بنيك أن يُحرقوك؟

«قَالَ الرَّجُل: من خشيتِكَ، أنت أعلم، فَغَفَرَ لَهُ»، أي أن الله عزوجل  غفرَ له.

هذَا الحديث العجيب، ابْن تَيْمِيَّة أخذَ بظاهرهِ؛ لِأَنَّ عندهُ مَنْ جهلَ شَيْئًا من هذَا الدين فهو معذورٌ بالجهل، ولو كان فِي توحيد الربوبية. وعنده غيره ممن يرمونه بالكفر، أنهم أولوا هذَا الحديث، لما؟ لأنه لو اعتمدوا ظاهرة لكفروا هذَا الرَّجُل، ولكن الله غفرَ له، فاضطروا إِلَى تأويلهِ.

فانظر ماذا يقولُ ابْن تَيْمِيَّة V فِي هذَا الحديث. قَالَ فِي المجلد الْثَّالِث والعشرين، الصفحةُ السابعةُ والأربعون والثلاثمائة من مجموع الفتاوى: "فَهٰذَا شكٌ فِي قُدرة الله". الرَّجُل يَقُولُ: «لئن قدرَ عليّ»، "فَهٰذَا شكٌ فِي قُدرة الله"، وعليهِ، فابن تَيْمِيَّة أخذ بظاهر هذَا اللَّفْظ.

وفي الميعاد: "بَلْ ظنَ أَنَّهُ لا يعود، وَأَنَّهُ لا يقدرُ اللهُ عَلَيْهِ إذا فعلَ ذَلِكَ" ..... فغفر اللهُ له.

فِي المجلد اَلْأَوَّلُ الصفحة الحادية والثلاثين والمائتين، قَالَ ابْن تَيْمِيَّة: "فَهٰذَا رجلٌ شكَ فِي قُدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بَلْ اعتقدَ أنهُ لا يُعاد، وَهٰذَا –والكلام لابن تَيْمِيَّة- وَهٰذَا كُفرٌ باتفاق المُسلمين، لكن كان جاهلًا لا يعلمُ ذَلِكَ، وكان مؤمنًا يخافُ الله أن يُعاقبه؛ فغفرَ له بذلكَ".

? انظر ابْن تَيْمِيَّة V أقرَ بظاهر الحديث، وأن الرجلَ شَكَّ فِي قدرة الله عَلَى الإعادة، وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ القدرة تتعلق بتوحيدِ ماذا؟ بتوحيد الربوبية، فالجهل هنا فِي توحيدِ الربوبية، ومع ذَلِكَ لَمْ يُكفرهُ ابْن تَيْمِيَّة وعذرهُ بالجهل فِي توحيد الربوبية.

ذَلِكَ قُلتُ مرارًا وتكرارًا: أيُّ أحدٍ يجهلُ شَيْئًا فِي أي بابٍ من أبواب هذَا الدين، مِمَّا لا شَكَّ فيه يجب أن يُعذرَ بالجهل، وَلَيْسَ معنى أن نعذرهُ بالجهل أن نتركهُ ... ولا نُعلمه، لا يَقُولُ هذَا أحد.

أما غيرُ ابْن تَيْمِيَّة، فجاء إِلَى هذَا الحديث وأولَ قولهُ صلى الله عليه و سلم : « لَئِنْ قَدِرَ عَلَيَّ »، فَقَالَ: لئن ضيقَ عليّ. وهنا فصلُ الْخَطَّابِ: الَّذِي أولَ هذَا التأويل، ما الَّذِي ألجأهُ إِلَيْهِ؟ أَنَّهُ لو أقرَ بظاهر النَّصّ لحكمَ بكفرهِ –عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى-، ولكن لما علمَ بأن الله غفرَ له، اضطر إِلَى ماذا؟ اضطرَ إِلَى أن يؤول: « لَئِنْ قَدِرَ عَلَيَّ» أي: لئن ضيقَ عليّ.

وكما ترى هذَا من جُملة افتراءات القوم عَلَى ابْن تَيْمِيَّة، يزعمونَ أَنَّهُ يُكفر، وَهُوَ من أبعد خلق اللهِ عن التَّكْفِير، ولا يُكفرُ أحدًا البتة إِلَّا بعد .... إقامة الحُجة عَلَيْهِ بشرط بابهِ.

وَأَمَّا هَؤُلَاءِ – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى- كما سيأتي، فإنهم كفروا أمة مُحَمَّد من حيثُ لا يشعرون.

×ذَلِكَ العجب أن كثيرًا من الجُهال يُكفرونَ ابْنَ تَيْمِيَّة، ولا يُكفرون ابْن قيم الجوزي، مع أن ما يقولهُ ابنُ القيم منقولٌ لفظًا أَوْ معنًى من كلام ابْن تَيْمِيَّة، فانظر مَثَلًا: فِي مدارج السالكين، ماذا يَقُولُ ابْن القيم فِي المجلد اَلْأَوَّلُ الصفحةُ الثامنة والثلاثون وثلاثمائة، قَالَ: "وَأَمَّا جحد ذَلِكَ جهلًا أَوْ تأويلًا ... يعذر فيه صاحبهُ، فلا يُكفر صاحبهُ، كحديث الَّذِي جحدَ قُدرة الله عَلَيْهِ، وأمرَ أهلهُ أن يُحرقوه وأن يذروهُ فِي الريح، ومع هذَا؛ فقد غفرَ اللهُ له ورحمهُ لجهله".

إذا كان ذَلِكَ الَّذِي فعلهُ مبلغَ علمهِ، وَهذِه الَّذِي قلتها من قريب، الَّذِي يجهلُ شَيْئًا مِمَّا لَا شَكَّ فيه يجب أن يُعذر بالجهلِ فِيهِ.

"وَلَمْ يكن جحدهُ قُدرة الله عَلَى إعادتهِ عنادًا أَوْ تكذيبًا، ولكن كان جهلًا "، عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى.

لِذَٰلِكَ أقولُ: اسمع يا حاقد يا كذوب، ابْن تَيْمِيَّة كان يقولُ لأهل البدع قاطبة، وأخصُ بالذكرِ الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وغيرِهم: "لو قُلتُ ما تقولون لكفرتُ، ولكن لا أُكفركم". هذَا هُوَ كلام ابْن تَيْمِيَّة.

انظر ماذا يَقُولُ الذهبي V عن ابْن تَيْمِيَّة فِي باب: العذر بالجهل، يَقُولُ: "وغالبُ حطهِ عَلَى الفضلاءُ والمُتزهدة فبحق". أي الْأَشْيَاء الَّتِي ينكرها عَلَى الفضلاء والمُتزهدة فبحق، "وفي بعضهِ هُوَ مجتهد"، انظر، "ومذهبهُ: توسعة العُذرِ للخلق، ولا يُكفرُ أحدًا إِلَّا بعد إقامة الحُجة".

فَهٰذَا هُوَ الذهبي، وما أدراكَ ما الذهبي.

وذكر ابْن تَيْمِيَّة أن هذَا القولُ كُفر، وأن هذَا العمل كُفر، وصاحبهُ كافر بعد قيام الحُجة، هذَا منطوق كلامهِ ابْن تَيْمِيَّة.

لِذَٰلِكَ ففي المجلد الْثَّانِي مجموع الفتاوى الصفحةُ الثالثةُ والأربعون بعد المائة، قَالَ: "فَإِنَّ هذَا كُفرٌ وصاحبهُ كافر بعد قيام الحُجةِ عَلَيْهِ، وإن كان جاهلًا أَوْ متأولًا لَمْ تقم عَلَيْهِ الحُجة".

وقال أيضًا فِي الجواب الصحيح لمن بدلَ دين المسيح، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاة والسلام، المجلد الْثَّانِي الصفحةُ الرابعةَ عشرَ وثلاثمائة: "فمن بلغهُ بعضُ الْقُرْآن دونَ بعضٍ، قامت عَلَيْهِ الحُجة بما بلغهُ، دون لَمْ يبلغهُ".

هذَا كلام ابْن تَيْمِيَّة، فكيف يدعي المدعي أن ابْن تَيْمِيَّة ما قسم هذَا التقسيم إِلَّا ليُكفرَ المُخالف، وَهُوَ لَمْ يُقسمهُ، هذَا تقسيمُ الله عزوجل ، هُوَ لَمْ يُقسمهُ هذَا تقسيمُ النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم ، هُوَ لَمْ يُقسمهُ، بَلْ سبقهُ بمئات السنين أكابر أهل العلم فِي هذَا الباب.

لِذَٰلِكَ أقول: اسمع يا حاقد، مَنْ هم أهل التَّكْفِير؟

عزوجل من أصول الأشاعرة اَلْأَوَّلُ: أن الأخذَ بظواهر الكتابِ والسُنّة أصلٌ من أصول الكُفر، يَعْنِي اللي عندهم يأخذ بظاهر الْكِتَاب والسُنّة، فَهٰذَا أصلٌ من أصول الكُفر.

وقال آخرونَ فِي المذهب: أصلٌ من أصول الضلال. هٰذِه واحدة.

عزوجل أن الإيمانَ لا ينفع إِلَّا إذا جاء من طريق النظرِ والاستدلال، تصور أن الإيمان لا ينفع إِلَّا إذا جاء من طريق النظر والاستدلال.

وقال بعضهم: أن مَنْ كان هذَا إيمانهُ؛ فهو كافر. لا بقى لا عذر بجهل، ..... نهيك بقى أن سندهم قول الرازي.

عزوجل الأشاعرة يُكفرونَ مَنْ قَالَ بعلو الله عزوجل .

عزوجل الأشاعرة يقولون: مَنْ بلغ سن التكليف وجبَ عَلَيْهِ أن ينظرَ فِي حدوث العالم، ووجود الله، -انتبه من هٰذِه المصيبة!- فَإِنَّ ماتَ قبل النظر أَوْ فِي أثنائهِ، فريقٌ جزمَ بكفرهِ، وفريقٌ توقف.

كُل أُمةِ مُحَمَّد كُفار عَلَى كلامهم، لا يوجد أحدٌ البتة من أُمةٍ مُحَمَّد نظرَ فِي حدوث العالم، ونظرَ فِي وجودِ اللهِ عزوجل  بالمقدمات – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى-.

عزوجل  الأشاعرة ينكروا طبائع الْأَشْيَاء. يَعْنِي أيه ينكروا طبائع الْأَشْيَاء؟ يَعْنِي لا سمح الله لو نقطة زيت مغلية وقعت عَلَى أيدك، أيدك تتحرق، فلو سُئِلتَ: ما الَّذِي حرقك؟ لو قلت: نقطة الزيت المغلية، أنت كافر عندهم قولًا واحدًا، فَهٰذَا معنى: إنكار طبائع الْأَشْيَاء.

انظر ماذا يَقُولُ صاحب "الخريدة البهية" اللي هُوَ الشريف أحمد الدرديري؟ يَقُولُ: والفعلُ فِي التأثيرِ لَيْسَ إِلَّا للواحد القهارِ C، ومنَ يقل بالطبعِ أَوْ بالعلة فذاك كُفرٌ عند أهل الملة.

إذًا مَنْ الَّذِي يُكفر؟ مَنْ الَّذِي يُكفر؟ ابْن تَيْمِيَّة الَّذِي يُكفر؟! سُبْحَانَ اللَّهِ!

وأذكر هنا قبل أن أختم هٰذِه الموقظة، طُرفة تُبيّنُ مدى الكذب عند أهلِ البدع، يتفنونَ فِي الكذب؛ لأنهم عاجزونَ عن نُصرةِ مذهبهم بالحق، فيضرونَ إِلَى ماذا؟ يضطرونَ إِلَى الكذب.

فأُناسٌ كُثر من أهل البدع يُكفرونَ ابْن تَيْمِيَّة، فَإِنَّ سألتهم لما؟ يقولون: هُوَ يَقُولُ: إن اللهَ ينزلُ من عَلَى عرشهِ كما أنزلُ أنا من عَلَى الكُرسي.

فَإِنَّ قِيلَ: من أين جئتَ بهٰذَا الْكَلَام؟ نحنُ طُفنا المعاهدَ وكُتب ابْن تَيْمِيَّة من أولِها إِلَى آخرِها، لَمْ نجد هذَا اللَّفْظ، جئتم بهٰذَا الْكَلَام من أين؟

انظر! قَالَ: ذكرهُ ابنُ بطوطة الطنجي المتوفى سنة تسعة وسبعين وسبعمائة هجرية، فِي كِتَاب له يُسمى "بتحفة النُظار فِي غرائب الأمصار وعجائب الأسفار".

قُلتُ: أولًا: اكذبوا كما شئتم، ودلسوا كما رغبتم، ولبسوا كما زعمتم، فأهلُ السُّنَّة وراءكم بالإسناد والتأريخ لنفضح جهلكم- عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَى-.

فأقولُ: أن ابْنَ بطوطة دخلَ دمشق يومَ الخميس، 19 رمضان سنة سبعمائة ستة وعشرين، احفظ: (19 رمضان سنة 726)، وابنُ تَيْمِيَّة دخلَ السجن فِي شعبان سنة سبعمائة ستة وعشرين. يَعْنِي ابنُ تَيْمِيَّة دخلَ السجن قبلَ وصول ابْن بطوطة إِلَى دمشق بشهر، وابن تَيْمِيَّة لَمْ يخرج فِي هٰذِه الحبسة إِلَّا ميتًا فِي ذي القعدة سنة ثمانية وعشرين، فكيف رآهُ ابْن بطوطة وَهُوَ يعظُ النَّاس يومَ الجُمُعة عَلَى المنبر؟ أيعظهم فِي السجن عَلَى المنبر؟! ألا لعنةُ اللهِ عَلَى الكذابين.

لِذَٰلِكَ كان البلفقيُّ، يرمي ابْن بطوطة بالكذب، ويقول: "ولهُ قصصٌ تدلُ عَلَى عدم حيائهِ". صحيح، خاصة قِصَّة يَعْنِي نستحي إن الواحد يحكيها عنه، تدلُ عن عدم حيائه، وكان مُتفنن فِي الكذب. وطبعًا البلفقيُّ معروف، قاضي كبير، أبو البركات، ومؤرخ من أعلام الأندلس فِي الحديث وغير ذَلِكَ من الأمور الَّتِي لا تخفى عليكم.

إِلَى هُنا تنتهي الموقظة السابعة.

ونبدأُ إن شاء اللهُ تَعَالَى فِي الموقظة الثامنة؛ عنوانُها: "لا حُكمَ بمجرد العلم".

الموقظة الثامنة: لا حُكمَ بمجرد العلم

يَعْنِي أيه؟ أُعطي مثالًا تقريبي للتقريب لا للتحقيق. لو علمتَ أن مُعينًا يسرقُ، ومشهور عنه إِنَّه حرامي، فوجدتهُ مَثَلًا: فِي الشَّارِع ومعهُ شنطة، هل تستطيع أن تقولَ أَنَّهُ سارق لهٰذِه الشنطة بالعين، لأنك تعلم أَنَّهُ حرامي؟ هذَا مُستحيل، بَلْ لَا بُدَّ من بيّنةٍ عَلَى ذَلِكَ، هذَا من باب التقرير.

لِذَٰلِكَ أُبيّن أن الله عزوجل  لا يحكم عَلَى أحد بمجرد علمهِ، ولا نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم ، بَلْ ولا الصحابة، كما بيّنا ذَلِكَ فِي مكانِها، فَإِنَّ الله عزوجل  يعلمُ ما كان، وما يكونُ، وما سيكونُ، وما لم يكن لو كان كيف يكون، فاللهُ عزوجل  يعرفُ كُل هٰذِه الأمور، فَإِنَّ سألتَ: لما؟ الجوابُ: في الحديثينِ: أَحَدُهُمَا رواه الترمذي عن عُبادةَ بن الصامت، قَالَ صلى الله عليه و سلم : «أولُ ما خلق اللهُ القلم، فَقَالَ اكتب، فكتبَ ما كان، وما هُوَ كائن إِلَىٰ الأبد»، فكُلُّ شيءٍ أصلًا مكتوب، فكيف لا يعلمهُ اللهُ عزوجل .

وَأَمَّا حديثُ مسلم، من طريق عبد الله بن عُمَر: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

فكُلُّ هٰذِه النصوص تُبيّن أَنَّ الله عزوجل  يعلمُ ما كان، وما يكونُ، وما سيكونُ، وما لم يكن لو كان كيف يكون، نعم، يعلمُ كُلَّ ذَلِكَ؛ لأنه هُوَ الَّذِي كتبَ هٰذِه المقادير تبارك و تعالى ، فكيف لا يعلمها؟! فيعلمُها قبل أَنَّ تقع، ومع ذَلِكَ لا يحكم عليهم إِلَّا بعد البينة.

وأُعطي مثال:

r اللهُ يعلمُ ما كان: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 34]، هٰذَا موقف يحكيه اللهُ عزوجل .

r اللهُ يعلمُ ما يكون، الَّذِي هُوَ حاضر، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: 59].

r اللهُ يعلمُ ما سيكون، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿الم 1 غُلِبَتِ الرُّومُ 2 فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 3 فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْد﴾ [الروم: 1 - 4].

r اللهُ يعلمُ ما لم يكن لو كان كيف يكونُ، يَعْنِي أيه: يَعْنِي أقرب الْمَسْأَلَة، الكفار الَّذِينَ سيدخلون نار جهنم، الله كتبَ عليهم ألا يخرجوا منها، فيستحيل. اللهُ يعلم ما لم يكن أَنَّهُ يُخرجهم.

طيب، ولو كان كيف يكون؛ أي: ولو خرجوا كيف سيكونُ حالُهم؟ وصلت الْمَسْأَلَة؟ لذلك المولى عزوجل  يَقُولُ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ 27 بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ﴾ انتبه، ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ 28﴾ [الأنعام: 27، 28].

تَعَالَى كدا نشوف؟ (ولو ردوا) أي: لو خرجناهم من النَّار، (لعادوا لما نهوا عنه) لعادوا إِلَىٰ الشِّرْك بالله عزوجل ، ثُمَّ ختم الآية: (وإنهم لكاذبون) أي: كاذبون في دعواهم: (يا ليتنا نردُ ولا نكذبُ بآيات ربنا ونكون من المؤمنين).

اللهُ عزوجل  يعلمُ أنهم لو خرجوا سيعودوا كفارًا أصلًا.

وهنا وقفة في غاية الخطورة: الكافرُ لو عاش مليار سنة، الْكَافِر الَّذِي يعلمُ اللهُ عزوجل  أَنَّهُ سيموتُ كافرًا، لو عاش مليار سنة، لا يُمكن أَنَّ يُسلم.

والعبد الَّذِي يعلم الله أَنَّهُ سيموتُ مسلمًا لو عاش مليار سنة يستحيل أَنَّ يكفر، لذلك قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: 28]، يوضح هٰذِه الْمَسْأَلَة – أعني: اللهُ يعلمُ ما لم يكن لو كان كيف يكون-: حديث الترمذي عن أبي هريرةَ I قَالَ: قَالَ صلى الله عليه و سلم : «كُلُّ مولودٍ يولدُ عَلَىٰ الملة، فأبواه يهودانهِ وينصرانه ويشركانهِ. قِيلَ: فمن هلكَ قبل ذَلِكَ؟ قَالَ: اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملين». يَعْنِي لو عاشوا، الله عزوجل  يعلمُ ماذا سيفعلون، هل سيكونوا من فريق الجَنَّة، أم من فريق السعير؟ أمرٌ في غايةِ الأهمية مِمَّا لا شَكَّ فيه.

لذلك إن علمتَ ما سبق، نَقُول: سُبْحَانَهُ أعدلُ العادلين، وأحكمُ الحاكمين، ومع كل هٰذَا الجلال والكمال والعظمة، فإنه لا يحكمُ عَلَىٰ عبدهِ البتة، بما يعلمهُ عنه، فاللهُ عزوجل  يعلمُ ما الَّذِي ستفعلُ أنت، بل يحكمُ عَلَيْهِ بعد البينة الَّتِي يُقيمُها عَلَىٰ عبده، وأمثلتُها في كِتَاب الله كثيرة جدًا.

خُذ مثالًا: قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ 75 قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ 76 قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ 77﴾ [ص: 75 - 77].

﴿قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ الله يعرف المانع الَّذِي منعهُ من السجود أم لا؟ ﴿أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ﴾ اللهُ يعلم هٰذَا الْكَلَام أم لا؟ يعلم، ولكن يستنطقُ عبدهُ ليقيم عَلَيْهِ الحقوق.

فَقَالَ إبليس: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ أي خيرٌ من آدم ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ انتبه، ﴿قَالَ فَاخْرُجْ﴾ هٰذَا هُوَ الحكم، فالحكم جاء مَتَىٰ؟ بما يعلمهُ اللهُ تبارك و تعالى  عن إبليس، أم بعدَ إقرار إبليس؟ عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ، وطبعًا إبليس هُوَ أولُ مَنْ قاس، فَقَالَ: ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فزعم أَنَّ النَّار خيرٌ من الطين، وَهٰذَا يُنمي عن جهلهِ الفاضح – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ-، الطين تربة التؤدة والطُمأنينة، أيجعلُ الطيش والعداوة الَّتِي في النَّار أفضل من الطين؟! أمرٌ عجيب، -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالعَافِيَةَ-.

فاللهُ عزوجل  مع علمهِ بما سيقولهُ إبليس، إِلَّا أَنَّهُ لم يحكم عَلَيْهِ إِلَّا بعدما أقرَ إبليس بما في قلبهِ، فلما أقرَ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿فَاخْرُجْ﴾ [ص: 77]، هٰذَا هُوَ الحكم، ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [ص: 77].

مثالٌ آخر: قِصَّة آدم وحواء: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ 22 قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 23 قَالَ اهْبِطُوا﴾ [الأعراف: 22، 24]، انظر اللهُ عزوجل  يَقُولُ: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا﴾ أي آدم وحواء، ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ يَعْنِي: لا تأكلوا من هٰذِه الشَّجَرَة، ﴿وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ أي أَنَّهُ سيغويكم لتأكلوا منها تَحْتَ دعوى: ما قام عليها بُرهان: ﴿قَالَا﴾ أي آدم وحواء، ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، ﴿قَالَ اهْبِطُوا﴾ هٰذَا هُوَ الحكم.

السؤال: هل المولى تبارك و تعالى  يعلمُ كُلَّ هٰذِه الْأَشْيَاء أنها ستحصل؟ قطعًا مِمَّا لا شَكَّ فيه كما بَيَّنَّا ذَلِكَ من الأدلةِ من الكتابِ والسُنّة، ولكن جاء الحكمُ بعد البينة، فكمُ الله: (اهبطوا) جاء بعد إقرارِهما بالذنب، ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23]، واللهُ يعلمُ هٰذَا منهما قبل الإقرار، يَعْنِي يعلم أَنَّ آدمَ وحواء سيتوبانِ إِلَىٰ اللهِ عزوجل ، ومع ذَلِكَ لم يحكم سُبْحَانَهُ بما علمهُ عنهما، بل حكمَ بعد إقرارهما.

وكما قُلتُ: هٰذَا كثيرٌ جدًا في كِتَاب الله، وفي سُنّةِ رَسُول الله صلى الله عليه و سلم .

مثالٌ آخر: ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [فصلت: 21].

﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾ أهل النَّار يُخاطبوا الجلود، أي جلودِهم: (لِمَ شهدتم عَلَيْنَا؟) ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، فالهُ عزوجل  يحكم عَلَيْهِ في الْآخِرَة بعد البيّنة؟ ولا يحكم عَلَيْهِ بما يعلمهُ عنه؟

لذلك يوضحُ هٰذِه القضية الحديث الَّذِي رواه أبو بكر البزار V عن أنس بن مالكٍ I قَالَ: «ضحك رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  ذات يومٍ أو تبسمَ، فَقَالَ صلى الله عليه و سلم : ألا تسألوني من أي شيءٍ ضحكتُ؟»، قالوا: يا رَسُول الله، من أي شيءٍ ضحكتَ؟ قَالَ صلى الله عليه و سلم : «عجبتُ من مُجادلة الْعَبْد ربه يوم القيامة يَقُولُ أي الْعَبْد-: أي ربي أليس وعدتني ألا تظلمني؟ قَالَ: بلى. فيقول: فإني لا أقبلُ عليّ شاهدًا إِلَّا من نفسي» جبروت، يظن أَنَّ أعضاءهُ ستنصرهُ، «فيقول اللهُ تَعَالَىٰ: أوليس كفى بي شهيدًا، وبالملائكةِ الكرامِ الكاتبين؟» يُرددُها أكثر من مرة، هٰذَا الهالك يُرددُها أكثر من مرة، «لا أقبلُ عليّ شاهدًا إِلَّا من نفسي»، ولا يقبل شهادة الله ولا شهادة الْمَلَائِكَة الكرام.

قَالَ: «فيختمُ عَلَىٰ فيهِ»، أي أَنَّ الله عزوجل  يختمُ عَلَىٰ فيهِ، «وتتكلمُ أركانهُ بما كان يعمل، فيقولُ: بُعدًا لكُنَّ وسُحقًا، عنكُنَّ كُنتُ أُجادل»، أمرٌ في غايةِ الغرابة.

لذلك اللهُ عزوجل  مع علمهِ التام لم يحكم عَلَىٰ أحدٍ البتة إِلَّا بعد إقامة الحُجة عَلَيْهِ في الْآخِرَة، بل ولا يكونُ العبدُ كافرًا في الدُّنْيَا وفي الْآخِرَة إِلَّا وأقام اللهُ تبارك و تعالى  عَلَيْهِ الحُجة في الدُّنْيَا، فمات وَهُوَ كافرٌ.

لذلك نجدُ أَنَّ الله عزوجل  أمرَ نبيهُ صلى الله عليه و سلم  أَنَّ يحكمَ بين الناس بالبينة، ولم يأمرهُ قط بأن يحكم بينهم بما علمهُ منهم؛ فَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «البينةُ، وَإِلَّا حدٌ في ظهركَ»، يَعْنِي أيه؟ رجل يَقُولُ: هٰذَا رأيتهُ يزني، فَقَالَ صلى الله عليه و سلم : «البينة، وَإِلَّا حدٌ في ظهركَ»، فلا حُكمَ أبدًا إِلَّا بعدَ الاستكشاف، لا حُكمَ أبدًا إِلَّا بعد البينة، لا حُكمَ أبدًا إِلَّا بعد قيام الحُجة وتوفر الشروط وانتفاء الموانع.

وَقَدْ علمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم  أُمتهُ ذَلِكَ بألا يحكموا عَلَىٰ شيء إِلَّا بالبينة، لذلك قَالَ صلى الله عليه و سلم  في الحديث الَّذِي رواه الترمذي: «البينةُ عَلَىٰ المُدعي، واليمينُ عَلَىٰ المُدعى عَلَيْهِ».

وأنا أقولُ، والعلمُ لله، لو التزمَ الناسُ هٰذَا الأصل لحُسمت مادةُ شرٍ عظيمة بين الناس، نعم، واللهِ لو التزمَ الناس هٰذَا الأصل لحُسمت مادة شر عظيمة، -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالعَافِيَةَ-.

قبل أَنَّ أُغادرَ هٰذِه الموقظة فاتني شيء مُهم هنا في الموقظة السابعة، قَالَ رجل: «لم يعمل خيرًا قط»، معناها أيه؟ لما تلاقي في الحديث: «لم يعمل خيرًا قط»، معناها أيه؟ أي: عمل خيرًا يسيرًا. ولي فيها كِتَاب يوضحُ هٰذِه الْمَسْأَلَة، وجئتُ بالأدلة من كِتَاب الله، ومن سُنّة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم  عَلَىٰ صحةِ هٰذَا الْكَلَام، وأيضًا شرحتُها في المُحاضرة، فَإِنَّ شئتَ فعُد إِلَيْهَا.

معنا الموقظةُ التاسعة؛ ألا وَهِيَ: معنى قول أهل السُّنَّة: "أنهم متفقونَ عَلَى ألا يُكفرَ أحدٌ بذنبٍ حَتَّى يستحله".

الموقظة التاسعة: معنى قول أهل السُّنَّة: "أنهم متفقونَ عَلَى ألا يُكفرَ أحدٌ بذنبٍ حَتَّى يستحله

 أيه معنى الجملة هٰذِه، معنى قول أهل السُّنَّة: "أنهم متفقون عَلَىٰ أَنَّهُ لا يُكفر أحدٌ بذنبٍ حَتَّىٰ يستحله"؟

يَقُولُ ابْن تَيْمِيَّة V في كِتَاب الإيمان الأوسط: "وَأَمَّا الأعمالُ الأربعة فاختلفوا في تكفير تاركها".

ونحنُ إذا قُلنا: أهلُ السُّنَّة متفقونَ عَلَىٰ أَنَّهُ لا يُكفرُ بالذنب، فَإِنَّمَا نُريدُ بِهِ المعاصي أي الْكَبَائِر: كالزنى، وشرب الخمر، والسرقة، وغير ذَلِكَ، وَأَمَّا هٰذِه المباني ففي تكفيرِ تاركها نزاعٌ مشهور.

إذًا أولًا: هٰذَا الاتفاق عَلَىٰ الْكَبَائِر، أي: لا يُكفرُ صاحبُ الكبيرة إِلَّا إذا استحلها، أي قَالَ: أنها حلال.

وَمِمَّا لَا شَكَّ فيهِ هٰذَا شرطٌ قلبي، يحتاجُ إِلَىٰ استكشاف، يحتاجُ إِلَىٰ إقامةِ حُجة، يحتاجُ إِلَىٰ إجراء الْأَحْكَام عَلَىٰ فاعلِها.

قطعًا صاحبُ الكبيرة، لَيْسَ بكافر، وإن مات مُصرًا عليها، وإن ماتَ وَهُوَ مُتلبسٌ بها، - عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ-، فليس عند أهل السُّنَّة من الْكَافِرِين، ولكن هُوَ عند الخوارج من الْكَافِرِين في الدُّنْيَا، من الكافرينَ في الْآخِرَة، مُخلدٌ في نارِ جهنم. أما المعتزلة – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ- فأنزلوهُ منزلةً بين المنزلتينِ، فقالوا: لا هُوَ مُسلم ولا هُوَ كافر، أمر عجيب، لا هُوَ مسلم ولا هُوَ كافر، مع إن هٰذِه اللفظة في حد ذاتها نصوص الْكِتَاب وَالسُّنَّة تهدمُها قولًا واحدًا، اللهُ عزوجل  يَقُولُ: ﴿يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾ [الانشقاق: 6]، فوصفُ الْإِنْسَان أَنَّهُ كادح، إِمَّا أَنَّهُ يتقدم، وَإِمَّا أَنَّهُ يتأخر، ما فيش حد واقف في النصف، فانتبهوا إِلَىٰ هٰذِه فإنها في غاية الخطورة.

العجب؛ أنهم يقولون: لو ماتَ ولم يتب منها وكان مُصرًا عليها، دخلَ نارَ جهنمَ خالدًا مُخلدًا فيها أبدًا.

فإذًا حقيقة الأمر أنهم اتفقوا مع الخوارج في الحكم، وإن اختلفوا معهم في الاسم، كما بيّنتُ كَذَلِكَ آنفًا أَنَّ كثيرًا من الناس يُطلقون هٰذَا الاتفاق بمعنى: مَن فعل كُفرًا لا يُكفر إِلَّا إذا استحله، وَهٰذَا شرطٌ بدعي في هٰذِه الجزئية، وأمرٌ عجيب، نسألُ الله السلامَ والعافية، أَنَّ كثيرًا من الناس يُطلقونَ هٰذَا الاتفاق، يَعْنِي يقولون: أَنَّ أهل السُّنَّة متفقون عَلَىٰ أَنَّهُ لا يُكفر أحدٌ بذنبٍ حَتَّىٰ يستحله، فالمساكين ظنوا أَنَّ هٰذَا متعلق بماذا؟ بالكفر، والكبائر جنبًا إِلَىٰ جنب.

وَهٰذَا ما نطق بِهِ أحدٌ من أهل السُّنَّة قاطبة؛ لأنهم بهذه الطريقة يقولون: لا كُفرَ إِلَّا بعد استحلال. وقطعًا هٰذَا - عِيَاذًا بِاللَّهِ - شرط بدعي، وشرط يُنمي عن جهل فاضح بشريعة نَبِيِّنَا صلى الله عليه و سلم .

وعَلَىٰ كلامِهم: مَن سبَ دين المُسلمين لا يقالُ له أنكَ كافر إِلَّا إذا استحلَ هٰذَا السَّبّ، ومَنْ دهس المصحفُ بقدمهِ عامدًا لا يُقالُ له أَنَّهُ لا يكفر إِلَّا إذا استحله، وغير ذَلِكَ من الأمور، شرط الاستحلال – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ- لَيْسَ مقصورًا عَلَىٰ الْكَبَائِر، بل مَنْ استحلَ الصَّغَائِر فهو أيضًا كافرٌ بعد إقامةِ الحُجة بشرط بابهِ، أعني: الاستكشاف وقيام الحُجة.

فَإِنَّ تبيّن لك ما سبق فأعلم أَنَّهُ الذنوبَ دركات، منها:

- الصَّغَائِر.

- تحتها الْكَبَائِر.

- تحتها الكُفر – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ-.

بل، الصَّغَائِر لَيْسَت رُتبةً واحدة، والكبائرُ لَيْسَت رُتبةً واحدة، والكُفر لَيْسَ رُتبةً واحدة، لَا بُدَّ وأن تعلمَ هٰذَا جيدًا.

أقف عند هٰذِه الجُزئية، ونُكملُ إن شاء اللهُ تَعَالَىٰ المُحاضرة القادمة، وجزاكم اللهُ خيرًا.

الطالب: أحسن اللهُ إليكم شيخنا وشكرَ اللهُ لكم.

 الأخ يَقُولُ: مقولة: "من لم يُكفر الْكَافِر فهو كافر".

الشَّيْخ: طبعًا كَلِمَة: "من لم يُكفر الْكَافِر فهو كافر"، دا كلام مُجمل، يَعْنِي هل يقصد: مَنْ لا يُكفر الْكَافِر كاليهودي والنصراني؟ أم يقصد: مَنْ لم يُكفر الْكَافِر أي: الَّذِي حكمَ هُوَ عَلَيْهِ بكُفرهِ، وَهُوَ من الْمُسْلِمِينَ؟ تفرق كثير قوي، فَإِنَّ كان الَّذِي يَقُولُ: "من لم يُكفر الْكَافِر فهو كافر" يقصد تكفير اليهود والنصارى، فمما لَا شَكَّ فيه هٰذَا عَلَىٰ خطرٌ عظيم، ويجب عَلَيْهِ أَنَّ نوضحَ له. ولكن مِمَّا لَا شَكَّ فيه، كثيرٌ من الناس يُقيمون الحُجة عَلَىٰ أنفُسهم أصلًا، فَهٰذَا لا نشكُ بعد الاستبيان منهُ، إن استمرَ عَلَىٰ هٰذَا القول واعتقدهُ، لا نشكُ طرفة عين أَنَّهُ كافر، ولكن لو نفرض أَنَّ رجلًا كفرَ مسلمًا لشيءٍ ما، فنحنُ لَا بُدَّ أَنَّ نعلم لما كفرتهُ؟ هل لمجرد أَنَّهُ قَالَ؟ هل لمجرد أَنَّهُ فعل؟ فَإِنَّ كان لمجرد القول والفعل فَهٰذَا كلامٌ باطل قولًا واحدًا، بل لَا بُدَّ من إقامةِ الحُجة عَلَيْهِ، وبيان الحق والباطل له، ويجب أَنَّ تتأكد من توفر الشروط، وانتفاء الموانع فيهِ، فَإِنَّ أقمتَ الحُجة وتوفرت الشروط وانتفت الموانع، ولم يعد، هٰذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه هُوَ كافر.

لذلك أُريد أَنَّ أُنبه: مش معنى إن أنت كفرت معين، هٰذَا يلزمني إن أنا أكفره، إذا ما كفرتوش تكفرني، لا، أنا لا أدري أنتَ لما كفرتهُ؟ لازم أعرف هٰذِه الْأَشْيَاء.

وَهٰذِه مَسَائِل مشاكلنا كلها من الإجمال، والقياس. دي لفظة مجملة لا يحل لأحد أَنَّ يُطلقها هكذا، ويُقيم عليها أحكامًا شرعية.

الطالب: أحسنَ اللهُ إليكم شيخنا، يَقُولُ: كُفر مَن استحلَ ذنبًا، هل هُوَ الكُفر الَّذِي يُخلد صاحبهُ في النار؟

الشَّيْخ: كُفر مَن استحلَ؟ ما هُوَ لو استحلَ بعد إقامة الحُجة عَلَيْهِ؛ هُوَ كافر، ولو ماتَ عَلَىٰ ذَلِكَ دخلَ النَّار، فحكمُنا في الدُّنْيَا عَلَيْهِ بعد إقامة الحُجة أَنَّهُ كافر، فَإِنَّ ماتَ عَلَىٰ كُفرهِ هٰذَا، قطعًا الْكَافِر سيدخل النَّار.

وعليه؛ فَهٰذَا الكُفرُ هُوَ الكُفر المُخرج من الملة، كأن إنسان – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ- يَقُولُ: بأن الزنا حلال، وَهٰذَا نسمعهُ من ناس كثيرة جدًا، يَقُولُ لك: سميتوا الحُب زنا؟! ونحو هٰذِه الألفاظ الكريهة.

فمما لَا شَكَّ فيهِ، مَنْ استحلَ كبيرةً من الْكَبَائِر، مَن استحلَ صغيرةً من الصَّغَائِر وزعمَ أنها من باب الحلال وليست من باب الحرام، تُقام عَلَيْهِ الحُجة، فَإِنَّ قامت فبها ونعمة وامتثل، فَإِنَّ قامت ولم يمتثل حُكمه معروف أَنَّهُ كافر، ولو ماتَ عَلَىٰ ذَلِكَ هُوَ في نارِ جهنم وبئس المصير. نسألُ الله السلامَ والعافية.

الطالب: أحسن اللهُ إليكم شيخنا، يَقُولُ: هل يُمكن أَنَّ نحكم عَلَىٰ المُعتزلة والخوارج بالكفر، ونقول: إن المُعتزلة والإباضية، الإباضية في سلطنة عمان كُفار لأنهم فرعٌ عن الخوارج؟

الشَّيْخ: أولًا بالنسبة للخوارج، لم يُكفرها أحدٌ من صحابة رَسُول الله صلى الله عليه و سلم ، وَالَّذِي يدُلُكَ عَلَىٰ أَنَّ الخوارج ليسوا بكفار، عندما قاتلهم علي I وَأَرْضَاهُ، لم يستحل أموالهم، ولم يسبي نساءهم، فدل عَلَىٰ أنهم مسلمونَ عنده. هٰذِه واحدة.

شأنهم أسوأ من الخوارج بكثير، -نَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ وَالعَافِيَةَ- لأنهم يزعمونَ أمورًا منها:

- أَنَّ للقُرآنِ مَثَلًا: باطن وظاهر، والباطن هٰذَا لا يعلمهُ إِلَّا فئة معينة، وَهُوَ الحق الَّذِي لا مِريةَ فيه، وَأَمَّا الظاهر فَهٰذَا لعوام الناس يتعبدون الله عزوجل  بِهِ.

فهؤلاء وأمثالهم ينسبونَ أنفسهم إِلَىٰ الْإِسْلَام، قُلنا: هيا إِلَىٰ كِتَاب الله وسُنّة رَسُول الله، نُقيمُ عليهم حُجةَ الله، فَإِنَّ امتثلَ فبها ونعمة، فَإِنَّ لم يمتثل، فمما لَا شَكَّ فيهِ فهو كافر.

أما بالنسبة للمعتزلة، المعتزلة قديمًا أسوأ حالًا من الأشاعرة، وإن كان الأشاعرة في هٰذَا الزمان هم المعتزلة بأعينهم، ولا فرقَ بينهم إِلَّا في أشياء يسيرة جدًا، ولكن لا نستطيعُ أَنَّ نُكفرَ المعتزلة، ولا نُكفر الأشاعرة، ولا الماتريدية وإن كانوا هُم يُكفرونَ بعضهم البعض.

إذًا هٰذِه أمور في غاية الغرابة، ولا تكفيرَ إِلَّا بعد إقامة الحُجة، استكشفوا الناس، هٰذِه واحدة.

اسمعوا وجدتهم. هٰذِه ثانية.

بينوا عور هٰذِه الحُجة. هٰذِه ثالثة.

تأكد من توفر الشروط وانتفاء الموانع، فَإِنَّ عادَ فبها ونعمةَ، وإن لم يعد فأمرهُ معروف.

الطالب: أحسنَ اللهُ إليكم، هٰذَا سائل يسأل: مَتَىٰ يكون الحكم بغيرِ ما أنزلَ الله كُفرًا أكبر؟ وَمَتَىٰ يكون كُفرًا أصغر؟

الشَّيْخ: أولًا: الحكمُ بما أنزلَ الله لَا بُدَّ أَنَّ يُقسم إِلَىٰ قسمين:

- أنتَ قادرٌ عَلَىٰ التحاكم إِلَىٰ كِتَاب الله، وسُنّةِ رَسُول الله.

- أو أنتَ عاجزٌ.

انتبه للكلام!

فلو كُنتَ عاجزًا عن تطبيقِ شريعة اللهِ عزوجل ، فَهٰذَا لا يُكفر، بل هٰذَا مُسلمٌ وَقَدْ يكونُ من الصالحينَ الكِبار.

ومثالهُ في شريعتنا: أَنَّ جيشِ ملك الحبشة أصحمة I، فَهٰذَا رجل أسلمَ قبلَ يَعْنِي، أسلمَ سنتين وتقريبًا خمسة وثلاثين يوم، تقريبًا، يَعْنِي أنا حاسبها سنتين أنا متأكد من هٰذَا الوضع، ومع ذَلِكَ لم يُطبق شرعَ اللهِ عزوجل  في الحبشة، لما؟ لا يستطيع، الدولةُ نصرانية، لا يستطيع، كُلُّ البطارقة عندهم كانوا يقفونَ ضدهُ وخاصة عندما تلى جعفر قِصَّة عيسى عَلَيْهِ، فَقَالَ: واللهِ ما زادَ عيسى عَلَىٰ ذَلِكَ، فتمخرَ – عِيَاذًا بِاللَّهِ - الأساقفة وغيرهم، ولم يرضوا بكلامهِ.

فَهٰذَا عاجز عن التطبيق، وَهُوَ مسلمٌ قولًا واحدًا بدليل: لما ماتَ قَالَ صلى الله عليه و سلم : «صلوا عَلَىٰ صاحبكم»، فكيف يُصلوا عليهِ وَهُوَ كافر؟ هٰذِه واحدة.

أما الَّذِي له قُدرة عَلَىٰ تطبيق شرع الله عزوجل  ولم يُطبقهُ دونَ وجود أي مانع، فمما لَا شَكَّ فيهِ هٰذَا من الطائفة الممتنعة، وَلَا بُدَّ من تكفيرهِ، أيضًا بعد إقامة الحُجة عَلَيْهِ حَتَّىٰ تتأكد أَنَّهُ لَيْسَ جاهلًا، لَيْسَ متأولًا، لَيْسَ مُقلدًا، إِلَىٰ غَيْر ذَلِكَ من الْأَشْيَاء.

إذًا خُلاصةُ الْكَلَام: هٰذَا السؤال لَا بُدَّ وأن يُقسمَ إِلَىٰ قسمين:

- قسمٌ عاجز عن التطبيق.

- وقسمٌ قادرٌ عَلَىٰ التطبيق.

الطالب: يَقُولُ: كيف يكون الكُفر درجات؟

الشَّيْخ: الكُفر دركات.

طبعًا الكفر دركات مش حاجة واحدة، (فازدادوا كُفرًا)، المولى عزوجل  يَقُولُ: ﴿ازْدَادُوا كُفْرًا﴾ [آل عمران: 90]، يبقى إزاي ميكنش دركات؟ ﴿ازْدَادُوا كُفْرًا﴾. يَعْنِي لو فيه كافر – عِيَاذًا بِاللَّهِ تَعَالَىٰ-، لا يزني، ولا يسرق، ولا كذا ولا كذا، أهو مثلُ الْكَافِر الَّذِي يفعل هٰذِه الْأَشْيَاء؟ لا قطعًا؛ لذلك كما أَنَّ الإيمان يزيد وينقص، فالكفرُ كَذَلِكَ يزيد وينقص، بنص كِتَاب الله عزوجل .

الطالب: أحسن اللهُ إليكم شيخنا، هٰذَا آخر سؤال، يَقُولُ: هل لقراءة كُتب ابْن تَيْمِيَّة ترتيبٌ معين، حَتَّىٰ يُفهم كلام شَّيْخ الْإِسْلَام V؟

الشَّيْخ: واللهِ يا أخي أنا تعبت جدًا في كُتب ابْن تَيْمِيَّة دي، ولكن اللي أنا أقدر أقلهُ لك: حاول تدور عَلَىٰ كُتب يَعْنِي زي ما تقول إيه: مشربها كُله من ابْن تَيْمِيَّة وابن القيم، هتلاقي الأسلوب سهل، وبعد كدا لو قرأت كُتب ابْن تَيْمِيَّة، سيكون الأمر عليك سهل إِنْ شَاءَ اللهُ.

ولكن في الحقيقة، من الممكن لو عندك يَعْنِي كُنت عندك خبرة بكيفية القراءة، من الممكن إنك تقرأ لابن تَيْمِيَّة، ولك أنا أُبشرك: لا يُمكن ستعرف تزيد عن خمس صفحات وتفهمهم في اليوم، ستتدرج بقى عَلَىٰ مدار السنة، لحد ما ممكن تقرأ مائة صفحة في اليوم وتفهمها. يَعْنِي دي أنا أقول لك تجربتي الشخصية، لو قلت لك: إن أنا كُنت بأجلس في الصفحة يوم واثنين، وبعد كدا ربنا عزوجل  يسر، وقدرت أقرأ مائة صفحة في اليوم، وأفهم هُوَ عايز يَقُولُ أيه بالضبط، فدي سهلة إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَىٰ.

الطالب: أحسن اللهُ شيخنا، ونفع بكم، وزادكم من فضلهِ.

الشَّيْخ: جزالك الله خير، السلام عليكم.

الطالب: وعليكم السلام.

ملفات