مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه522
مسند احمد
حدثنا يونس، وسريج قالا: حدثنا فليح، عن سعيد بن الحارث، عن أبي سلمة، قال: كان أبو هريرة يحدثنا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن في الجمعة (2) ساعة، لا يوافقها مسلم، وهو في صلاة يسأل الله خيرا إلا آتاه إياه "
قال: وقللها أبو هريرة بيده، قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: والله لو جئت أبا سعيد: فسألته عن هذه الساعة أن يكون (3) عنده منها علم، فأتيته فأجده يقوم عراجين، فقلت: يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم؟ قال: هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها، ويتخصر (4) بها، فكنا نقومها، ونأتيه بها، فرأى بصاقا في قبلة المسجد، وفي يده عرجون، من تلك العراجين فحكه، وقال: " إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه، فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فإن لم - قال سريج: لم - يجد مبصقا، ففي ثوبه أو نعله "، قال: ثم هاجت السماء، من تلك الليلة، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان فقال: " ما السرى يا قتادة؟ " قال: علمت يا رسول الله أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها. قال: " فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك ". فلما انصرف أعطاه العرجون وقال: " خذ هذا فسيضيء لك (1) أمامك عشرا، وخلفك عشرا، فإذا دخلت البيت، وتراءيت (2) سوادا، في زاوية البيت، فاضربه قبل أن يتكلم، فإنه شيطان " (3) قال: ففعل فنحن نحب هذه العراجين. لذلك
قال: قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة، فهل عندك منها علم؟ فقال: سألت (4) النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: " إني كنت قد أعلمتها ثم أنسيتها، كما أنسيت ليلة القدر " قال: " ثم خرجت من عنده، فدخلت على عبد الله بن سلام " (5)
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يُحِبُّونَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُبًّا شديدًا، وكانوا يَحرِصونَ على مُجالَسَتِه ولقائِه والصَّلاةِ مَعَه لِما يَرجونَ مِن بَرَكةِ تلك المَجالسِ مَعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حَتَّى وإن كانت هناكَ صُعوبةٌ أو حائِلٌ يَمنَعُ دونَ الحُضورِ إليه، وفي هذا الحَديثِ نَموذَجٌ مِن تلك النَّماذِجِ، وهو الصَّحابيُّ الجَليلُ قتادةُ بنُ النُّعمانِ رَضِيَ اللهُ عنه، فيَقولُ: كانت لَيلةٌ شَديدةُ الظُّلمةِ والمَطَرِ. فقُلتُ: لَو أنِّي اغتَنَمتُ هذه اللَّيلةَ شُهودَ العَتَمةِ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أي: صَلاةَ العِشاءِ، فهيَ تُسَمَّى بالعَتَمةِ، والعَتَمةُ هيَ الظُّلمةُ، وكانتِ الأعرابُ يُسَمُّونَ صَلاةَ العِشاءِ صَلاةَ العَتَمةِ، تَسميةً بالوقتِ، ففعَلتُ، أي: ذَهَبَ وصَلَّى العِشاءَ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلَمَّا انصَرَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الصَّلاةِ، أبصَرَني، ومَعَه عُرجونٌ يَمشي عليه، والعُرجونُ هو غُصنُ النَّخلةِ الذي يَعوَجُّ، ويُقطَعُ مِنه الشَّماريخُ فيبقى على النَّخلِ يابسًا، والشِّمراخُ: ما يَكونُ فيه الرُّطَبُ، فقال لي: ما لَك يا قتادةُ هَاهنا هذه السَّاعةَ؟ أي: لماذا جِئتَ في هذا الوقتِ واللَّيلةُ مُظلِمةٌ ومُمطِرةٌ، فقال قتادةُ: اغتَنَمتُ شُهودَ الصَّلاةِ مَعَك يا رَسولَ اللهِ، أي: أحبَبتُ أن أُصَلِّيَ مَعَك فأُحَصِّلَ أجرَ الصَّلاةِ مَعَك، يَقولُ قتادةُ: فأعطاني رَسولُ اللهِ العُرجونَ وقال لي: إنَّ الشَّيطانَ قد خَلَفَك في أهلِك، فاذهَبْ بهذا العُرجونِ فأمسِكْ به حَتَّى تَأتيَ بَيتَك، فخُذه مِن وراءِ البَيتِ، أي: مِن خَلفِ البَيتِ فاضرِبْه، أي: الشَّيطانَ بالعُرجونِ! فخَرَجتُ مِنَ المَسجِدِ فأضاءَ العُرجونُ مِثلَ الشَّمعةِ نورًا فاتَّضأتُ به، أي: أضاءَ لي الطَّريقَ، فأتَيتُ أهلي فوجَدتُهم رُقودًا فنَظَرتُ في الزَّاويةِ فإذا فيها قُنفُذٌ. وكَأنَّ الشَّيطانَ قد تَشَبَّهَ بصورةِ القُنفُذِ، فلَم أزَلْ أضرِبُه بالعُرجونِ حَتَّى خَرَجَ.
وفي الحَديثِ بَيانُ حُبِّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه فضيلةٌ ظاهرةٌ لقتادةَ بنِ النُّعمانِ رَضِيَ اللهُ عنه.
وفيه فَضلُ شُهودِ الصَّلاةِ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه تَفقُّدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وسُؤالُه عن أحوالِ أصحابِه.
وفيه شِدَّةُ عَداوةِ الشَّيطانِ للإنسانِ فيما استَطاعَ.
وفيه بَيانُ مُعجِزةٍ مِن مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بإخبارِه بما فعَلَ الشَّيطانُ، وبما كان مِن أمرِ العُرجونِ.
وفيه امتِثالُ قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه لأمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .