مسند أبي هريرة رضي الله عنه 250
مسند احمد
حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن الأغر، عن أبي هريرة، قال سفيان: أول مرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاده فقال الأغر: عن أبي هريرة، قال: " قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي، والعزة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما، ألقه في النار "
الكِبرياءُ والعَظمةُ وما يُقارِبُهما مِن المعانِي مِن الصِّفاتِ التي اختصَّ المولى عزَّ وجلَّ بها نفْسَه عن سائرِ الخلقِ، وهي في حَقِّه سبحانَه صفاتُ كمالٍ، وأمَّا في حقِّ الخَلقِ فهي صفةُ نقْصٍ
وفي هذا الحَديثِ القُدسيِّ، يقولُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: قال اللهُ عزَّ وجلَّ الكِبرياءُ رِدائي، أي الشَّرفُ والترفُّع على كلِّ مَن سِواه, بأن يَرى لذاتِه سُبحانه فَضلًا وشرفًا عليهِم، و"الرِّداءُ": ما يلبَسُه الرجلُ على الرأسِ والكَتِفينِ، وهذا من بابِ تَقريبِ المعانِي بضَربِ الأمثالِ؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، ولا تُمثَّلُ صِفاتُه بصِفاتِ المخلوقينَ، وقد قالَ تعالى: {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الجاثية: 37]؛ فهوَ المتفرِّدُ به في الكونِ كلِّه، ولا يجوزُ للعِباد أن يتَّصِفوا بها؛ فقد توعَّد اللهُ المتكبِّر بجهنَّمَ؛ كما قالَ تَعالى: {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 72]
"والعَظمةُ إِزارِي"، أي: الكَمالُ والشَّرفُ والاستِغناءُ له في نفسِه سُبحانه وتَعالى، و"الإِزارُ": أي: ما يلبَسُه الرَّجُلُ من وسَطِه إلى قدَميْه، وهو أيضًا من باب تقريبِ المعاني، ولا تُمثَّلُ صِفاتُ اللهِ تعالى بخَلْقِه، "فمَنْ نازَعني واحدًا مِنهما"، أي: مَن شارَكني وقاسَمني وحاولَ الاتِّصافَ بأيِّ واحدةٍ مِنهما، "قَذَفْتُه"، أي رمَيتُه وألقَيتُه في النارِ؛ لأنَّه شارَكَ اللهُ تعالى فيما يختصُّ به سُبحانَه؛ فكما أنَّ الرِّداءَ والإزارَ لا يَشترِكُ مع الإنسانِ فيهما أحدٌ؛ فكذلِكَ الكِبرياءُ والعَظمةُ لا يَشتركُ فيهما أحدٌ معَ اللهِ سُبحانَه وتَعالى
ووصْفُ اللهِ تَعالى بأنَّ العَظَمَة إزارُه والكبرياءَ رِداؤُه كسائرِ صِفاته؛ تُثبَت على ما يَليقُ به سبحانَه، والواجبُ الإيمانُ بها وإمرارُها كما جاءتْ؛ دونَ تَحريفٍ ولا تَعطيلٍ، ودون تَكييفٍ أو تمثيلٍ
وفي هذا الحديثِ: أنَّ صِفاتَ الكِبرياءِ والعَظمةِ في حقِّ اللهِ كمالٌ، وفي حقِّ المخلوقينَ نَقصٌ