مسند أبي هريرة رضي الله عنه 365
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا هشام، وعبد الوهاب، أخبرنا هشام، عن يحيى، عن أبي جعفر، أنه سمع أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا بقي ثلث الليل ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا، فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ من ذا الذي يسترزقني فأرزقه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفه عنه؟ حتى ينفجر الفجر "
الوَقتُ الأخيرُ من اللَّيلِ وَقتٌ شريفٌ مُرغَّبٌ فيه، خصَّه اللهُ تعالى بالنُّزولِ فيه، وتَفضَّلَ على عِبادِهِ بإجابةِ مَن دعا فيه، وإعطاءِ مَن سألَه
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يَنزِلُ اللهُ تَعالى في السَّماءِ الدُّنيا" نُزولًا حَقيقيًّا يَليقُ بذاتِهِ سُبحانَه وتَعالى، ولا يَعلمُ كَيفيَّتَه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، ولا يُمثَّلُ بنُزولِ المخلوقينَ؛ فليس كمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبحانَه، "لشَطْرِ اللَّيلِ، أو لثُلُثِ اللَّيلِ الآخِرِ" وهو وقْتُ خَلْوةٍ وغَفْلةٍ واسْتِغراقٍ في النَّومِ، واسْتِلذاذٍ به، "فيقولُ: مَنْ يَدْعوني؛ فأَسْتجيبَ له، أو يَسأَلُني؛ فَأُعْطِيَهُ" وهذا كُلُّه بمعنى طَلَبِ العَبدِ منَ اللهِ ما يشاءُ في هذا الوقْتِ من اللَّيلِ وهو يُناجيهِ، فمَنْ آثَرَ القيامَ لمُناجاةِ ربِّهِ، والتضرُّعِ إليه في غُفْرانِ ذُنوبِهِ، وفِكاكِ رَقبتِهِ مِن النَّارِ، وسألَه التَّوبةَ في هذا الوقتِ الشَّاقِّ، فذلك دَليلٌ على خُلوصِ نيَّتِهِ، وصِحَّةِ رَغْبتِهِ فيما عندَ ربِّهِ، فضُمِنَتْ له الإجابةُ الَّتي هي مَقْرونةٌ بالإخْلاصِ وصِدْقِ النِّيَّةِ في الدُّعاءِ، "ثم يَبسُطُ يدَيْهِ يقولُ: مَن يُقرِضُ"، أي: مَن يُقرِضُ اللَّهَ تعالى؟ وهو سبحانه "غيْرَ عَديمٍ ولا ظَلومٍ"، أي: غيرَ فَقيرٍ لا يَجِدُ ما يَرُدُّه للمُقْرِضِ، فهو الغنيُّ سُبحانَه، وغيرُ ظالِمٍ، بمَطْلِ رَدِّ بَدَلِ المُقرِضِ، والمُرادُ بالقَرْضِ عَمَلُ الطاعَةِ، سواءٌ فيه الصَّدقَةُ والصَّلاةُ والصَّومُ والذِّكْرُ وغيرُها من الطاعاتِ، وسَماهُ سُبحانَه وتَعالى قَرضًا مُلاطَفةً للعِبادِ وتَحْريضًا لهم على المُبادَرَةِ إلى الطاعَةِ، كما أنَّ فيه إشارةً إلى جَزيلِ الثوابِ عليها، فهو الغنيُّ ذو العَطاءِ والفَضْلِ