مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه595
مسند احمد
حدثنا عارم، حدثنا أبو عوانة، وهشام بن سعيد قال: أخبرنا أبو عوانة (2) عن عبد الرحمن بن الأصم، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عمر بن الخطاب بجبة سندس، فقال عمر: أتبعث بها إلي، وقد قلت فيها ما قلت. قال: " إني لم أبعث بها إليك لتلبسها، إنما بعثت بها إليك لتبيعها وتستنفع بثمنها "
حَرَص الإسلامُ على مُراعاةِ مَظهِرِ المسْلمِ والمسْلِمةِ، ومِن ذلك هَيئةُ الثِّيابِ للرِّجالِ والنِّساءِ، مِن حيثُ سَتْرُ الجسدِ والعَورةِ وعدمُ تَحديدِها، وألَّا يَشِفَّ ولا يَصِفَ حجْمَ العِظامِ، ثمُّ هناك نَهيٌ عن تَشبُّهِ النِّساءِ بالرِّجالِ، وعن تَشبُّهِ الرِّجالِ بالنِّساءِ في الهيئةِ أو الزِّيِّ، ونحْوِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَبِسَ يومًا «قَبَاءً مِن دِيباجٍ»، والقَباءُ ثَوبٌ يُشبِهُ العَباءةَ ضيِّقُ الكُمَّينِ، وكان هذا الثَّوبُ مِنَ الدِّيباجِ، وهو نَوعٌ مِنَ الحريرِ، وكان قدْ أُرسلَ له هَديَّةً؛ فكأنَّه لَبِسَه مُراعاةً لِمشاعرِ المُهدِي على ما هو المُتعارَفُ، وكانَ لُبْسُه حينئذٍ مُباحًا، ثُمَّ أسرَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى خَلعِه مِن جِسمِه، وأرسَلَ به إلى عُمرَ بنِ الخطَّابِ، فسُئِل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن سُرعةِ خَلعِه لتلكَ الثِّيابِ، فأخبَرَ أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ -وهو الملَكُ الموكَّلُ بالوحْيِ- نَهاهُ عن لُبسِه، فجاءَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَبكي ويَتأسَّفُ لمَّا عَلِم بذلك، فقال: يا رَسولَ اللهِ، كَرِهْتَ أن تلبسَ هذا الثَّوبَ وَأعْطَيْتَنِيه لِألْبَسَه، فما لي؟! وكيفَ حالِي ومآلي؟! فأجابَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُعْطِكَه لِتَلبَسَه؛ إنَّما أَعطيْتُكَه تَبيعُه، وفي رِوايةٍ أُخرى لمسْلمٍ: «لِتَنْتَفِعَ بثَمَنِهَا»، فَباعَه عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بِألْفَي درهمٍ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عَن لُبْسِ الحريرِ لِلرِّجالِ.
وفيه: أنَّ مِن هدْيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبولَ الهدِيَّةِ.
وفيه: فضْلُ عُمرَ بن الخطاب رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: تَملُّكُ الرَّجلِ الحريرَ، وتَصرُّفُه بالبيعِ، والهِبةِ، ونَحوِهما، دونَ اللُّبسِ.