مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 12
مسند احمد
حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، أخبرني أبو هانئ، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي، يقول: إن جابر بن عبد الله الأنصاري برك به بعير قد أزحف به، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «ما لك يا جابر؟» ، فأخبره، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البعير، ثم قال: «اركب يا جابر» ، فقال: يا رسول الله، إنه لا يقوم، فقال له: «اركب» ، فركب جابر البعير، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعير برجله، فوثب البعير وثبة، لولا أن جابرا تعلق بالبعير لسقط من فوقه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر: «تقدم يا جابر الآن على أهلك إن شاء الله تعالى، تجدهم قد يسروا لك كذا وكذا» حتى ذكر الفرش، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان»
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زاهِدًا في الدُّنيا مُعرِضًا عنْ زُخْرُفِها، راغِبًا في الآخِرةِ، وكان يُرغِّبُ أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم في حَدِّ الكِفايةِ في المعيشةِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: «فِراشٌ لِلرَّجلِ» أي: فِراشٌ واحدٌ كافٍ لِلرَّجلِ عندَ نَومِه واضطجاعِه وراحتِه، وفِراشٌ آخَرُ لامرأتِه، والثَّالثُ يكونُ لِلضَّيفِ إنْ جاء، وهذا مِن بابِ إكرامِ الضَّيفِ والقيامِ بحَقِّه، والرَّابعُ يكونُ للشِّيطانِ، أي: إنَّ ما زاد على الحاجةِ فاتِّخاذُه إنَّما هو للمُباهاةِ والاختيالِ بزِينةِ الدُّنيا، وما كان بهذه الصِّفةِ فهو مَذمومٌ، وكلُّ مَذمومٍ يُضافُ إلى الشَّيطانِ؛ لأنَّه يَرتضيهِ ويَأمرُ به، فكأنَّه له، أو لأنَّه إذا لم يُحتَجْ إليه، كان مَبيتَ الشَّيطانِ ومَقيلَه عليه، ومَقصودُ هذا الحديثِ أنَّ الرَّجلَ إذا أراد أنْ يَتوسَّعَ في الفُرشِ، فغايتُه ما يَحتاجُه وأهْلُه وضَيفُه، وما زاد على ذلك ممَّا لا يُحتاجُ إليه فهو مِن بابِ السَّرفِ
وفي الحديثِ: النَّهيُ عمَّا زاد عَنِ الحاجَةِ مِنَ الفِراشِ
وفيه: تَركُ الإكثارِ مِن الآلاتِ والأمورِ المباحةِ والتَّرفُّهِ بها، وأنْ يَقتصِرَ الإنسانُ على حاجتهِ
وفيه: أنَّ ما زاد على الحاجةِ فإنَّه للشَّيطانِ، فلا يَنْبغي اتِّخاذُه
وفيه: بَيانُ تَسلُّطِ الشَّيطانِ على بَني آدمَ؛ بحيث إنَّه لا يَترُكُ عَملًا مِن أعمالِه إلَّا ويُشارِكَه فيه، حتَّى يُوقِعَه في المخالَفةِ، فيَنْبغي الحذرُ منه، والبُعدُ عمَّا يُؤدِّي إلى إرضائهِ