مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 668
مستند احمد
حدثنا قتيبة، حدثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن جابر الحضرمي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الفار من الطاعون، كالفار من الزحف، والصابر فيه له أجر شهيد»
الأمنُ والسَّلامةُ العامَّةُ في المُجْتَمَعِ مِن الأُمورِ المُهمَّةِ التي شَدَّدَ عليها الإسْلامُ؛ حتى لا يَضُرَّ إنسانٌ نَفْسَه أو يَضُرَّ غَيرَه، وقد جَعَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ للمَيِّتِ بالطَّاعونِ أَجْرَ الشَّهيدِ في الآخِرةِ، وسَببُ كَونِ هذه الموتةِ شَهادةً شِدَّتُها وعَظيمُ الأَلَمِ فيها؛ فجازاهم اللهُ على ذلك بأنْ جَعَلَ لهم أَجْرَ الشُّهداءِ
وفي هذا الحديثِ يُحذِّرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذي حَضَرَ الطَّاعونَ -وهو: كلُّ وَباءٍ عامٍّ يَفشُو في النَّاسِ ويكونُ سببًا لكثرةِ المَوتِ- فيُحذِّرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الخُروجِ مِنَ الأرضِ التي وَقَعَ بها الطَّاعونُ، وَعَدَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك فِرارًا، وجَعَلَ الوَعيدَ فيه كوَعيدِ الفِرارِ مِن الزَّحْفِ، وهو: الفِرارُ مِنَ القِتالِ يومَ مُلاقاةِ الكُفَّارِ وأَعداءِ اللهِ، وقد جاءَ الوَعيدُ في قَولِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16]، وجَعَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كما في الصَّحيحَينِ- مِنَ السَّبْعِ الموبِقاتِ، وهي التي تُهلِكُ صاحبَها باستِحقاقِه دُخولَ النَّارِ وعَذابَه في الآخِرةِ، والكَبيرةُ لا بُدَّ لها مِن تَوبةٍ، مع ما في ذلك مِن الهُروبِ مِن قَدَرِ اللهِ، مع سوءِ الظَّنِّ باللهِ سبحانَه، والتَّعلُّقِ بأَسبابِ الدُّنيا فقطْ.ثُمَّ أَرشَدَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أنَّ الصَّابِرَ على بَقائِه في الأرضِ التي بها الطَّاعونُ، حتى وإنْ كان ظاهِرُ أَمرِه أنَّه لم يُصِبْه المَرَضُ، كان كالذي صَبَرَ في القِتالِ؛ فإنْ ماتَ نالَ أَجْرَ الشَّهيدِ، وإنْ حَفِظَه اللهُ حازَ نِعمةَ الشِّفاءِ والصِّحَّةِ، وهي أَفْضَلُ غَنيمةٍ يَتَحصَّلُ عليها المُقاتِلُ بعد الحَرْبِ، ويُضافُ إليه أَجْرُ الصَّبْرِ على البَلاءِ.وفي الصَّحيحَينِ مِن حديثِ أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضيَ اللهُ عنه، قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الطَّاعونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ على طائِفةٍ مِن بَني إسْرائيلَ، أو على مَن كان قَبْلَكم، فإذا سَمِعْتُم به بأرضٍ فلا تَقْدَموا علَيه، وإذا وَقَعَ بأرضٍ وأنتُم بها فلا تَخْرُجوا فِرارًا منه". وكُلُّ هذا مِن وَسائِلِ السَّلامةِ التي دَعا إليها الإسلامُ، وهو ما يُعرَفُ حَديثًا بالحَجْرِ الصِّحِّيِّ للحَدِّ مِنِ انتِشارِ المَرَضِ وتَفَشِّيه في أَكثرَ مِن أرضٍ، أو أنَّه يَخرُجُ عن سَيطَرةِ القائِمينَ علَيه فتَهلِكُ البِلادُ والعِبادُ.وهكذا فإنَّ هذا التَّشْريعَ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عالَجَ الوازِعَ المِهَنيَّ مِنَ النَّاحِيةِ الطِّبِّيَّةِ والوازِعَ الأَخلاقيَّ مِنَ النَّاحِيةِ الاجْتِماعيَّةِ، وجَعَلَ الضَّميرَ الإنْسانيَّ مَسْؤولًا عن أَفعالِه