مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 667
مستند احمد
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني معاذ بن رفاعة الأنصاري ثم الزرقي، عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى سعد بن معاذ حين توفي، قال: فلما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع في قبره وسوي عليه، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبحنا طويلا، ثم كبر فكبرنا، فقيل: يا رسول الله، لم سبحت؟ ثم كبرت؟ قال: «لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عنه»
بيتُ اللهِ الحَرَامِ هو القِبْلَةُ وجِهَةُ المسلِمينَ في الصَّلاةِ؛ يتَّجِهُون إليها مِن كلِّ مكانٍ، وهذا مِن تعظِيمِ اللهِ لها؛ ولهذا شَرَعَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم آدابًا للقِبْلَةِ تَكريمًا لها وتشريفًا
وفي هذا الحديثِ بعضُ الآدابِ الخَاصَّةِ بالقِبْلَةِ، حيثُ يقولُ جابِرُ بنْ عبدِ الله رضِيَ اللهُ عنهما: نهَى نَبِيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نَستقبِلَ القِبْلَة بِبَوْلٍ، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهى المسلِمَ وهو يَبُولُ أن يتَّجِه بجَسَدِه نحوَ القِبْلَةِ؛ صِيانَةً لها عَن المواجَهَة بالنَّجَاسَةِ، وإكرَامًا لها. ولا يَقتَصِرُ الأمْرُ على البَوْلِ فحَسْبُ، بل نُهي عن استقبالها بالغَائِطِ أيضًا، كما جاء في أحاديثَ أخرَى أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا تَستقبِلُوا القِبلَةَ بغَائِطٍ ولا بولٍ»
ثمَّ يقولُ جابِرٌ رضِيَ اللهُ عنه: فرَأيتُه قبل أن يُقبَضَ بعامٍ يستَقْبِلُها، أي: إنَّه رأَى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَستَقِبلُ القِبلَةَ وهو يَبولُ قبلَ وفَاته بعامٍ، وهذا إشارةٌ منه رضِيَ اللهُ عنه إلى نَسْخِ حُكمِ النَّهيِ
قيل: وفي الاحتِجاجِ بهذا الحَديثِ على نَسْخِ النَّهيِ عن استقبالِ القِبلةِ بالبولِ نظرٌ؛ إذ يَحتمِلُ أنَّ فِعلَه صلَّى الله عليه وسلَّمَ إنَّما كان لعُذرٍ، ويَحتمِلُ أنَّه كان في بُنيانٍ، أو لوجودِ ما يَسترُه، وأنَّ النَّهي مُختَصٌّ بالفضاءِ كالصحراء، وقد كان المعهودُ في حالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التَّسَتُّرَ في قضَاء الحاجَةِ ممَّا يقوِّي أنَّه ربَّما كان في بُنْيانٍ