مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 369

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم  369

حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن مسلم الزهري، عن كريب مولى عبد الله بن عباس، عن عبد الله بن عباس، قال: قلت له: يا أبا العباس، أرأيت قولك ما حج رجل لم يسق الهدي معه، ثم طاف بالبيت، إلا حل بعمرة، وما طاف بها حاج قد ساق معه الهدي، إلا اجتمعت له عمرة وحجة، والناس لا يقولون هذا، فقال: ويحك، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومن معه من أصحابه لا يذكرون إلا الحج، " فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يكن معه الهدي أن يطوف بالبيت ويحل بعمرة "، فجعل الرجل منهم يقول: يا رسول الله إنما هو الحج. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس بالحج، ولكنها عمرة " 

أنساك الحج ثلاثة: التمتع؛ وهو أن يحرم الحاج بالعمرة في أشهر الحج -وهي شوال وذو القعدة، وذو الحجة- ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج من عامه. والقران؛ وهو أن يحرم الحاج بالحج والعمرة معا. والإفراد؛ وهو أن يحرم الحاج بالحج فقط
وفي هذا الحديث تحكي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي كانت في السنة العاشرة من الهجرة ينوون الحج، فلما قدموا مكة طافوا طواف القدوم دونها لأجل حيضها الذي ألم بها عند دخول مكة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل من الحج بعمل العمرة، ويكون ذلك بالطواف بالبيت، ثم السعي بين الصفا والمروة، ثم تقصير الشعر، والهدي اسم لما يهدى ويذبح في الحرم من الإبل والبقر والغنم والمعز، وهذا هو فسخ الحج إلى العمرة، وكان نساؤه صلى الله عليه وسلم لم يسقن الهدي، فأحللن بعد العمرة
وتحكي عائشة رضي الله عنها أنها حاضت، فلم تطف بالبيت طواف العمرة؛ لمانع الحيض، وأما طواف الحج فأخبرت في رواية للبخاري أنها خرجت في حجتها حتى قدمت مشعر منى، وكان ذلك يوم النحر في العاشر من ذي الحجة، فطهرت في ذلك اليوم، ثم خرجت من منى، فطافت بالكعبة طواف الإفاضة، ثم خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في النفر الآخر، مع القوم الذين ينفرون من منى في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة
فلما كانت ليلة الحصبة -أي: ليلة المبيت بالمحصب، وهو موضع متسع بين مكة ومنى، وسمي بذلك لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل- وذلك عند خروج النبي صلى الله عليه وسلم متأهبا للسفر إلى المدينة، قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: «يرجع الناس بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة»، وحرصت على ذلك رضي الله عنها؛ لتكثير الأفعال والثواب كما حصل لسائر أمهات المؤمنين وغيرهن من الصحابة، فأرادت عمرة مفردة، كما حصل لبقية الناس، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بالذهاب مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنهما إلى التنعيم؛ لتحرم بعمرة تطييبا لقلبها، ثم جعل موعدهما الرجوع إلى المحصب في المكان الذي كان يبيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم
وتحكي عائشة رضي الله عنها أن صفية بنت حيي رضي الله عنها ظنت أنها سوف تمنع الناس عن الرجوع إلى المدينة؛ لأنها حاضت ولم تطف بالبيت طواف الوداع، فلعلهم بسببها يتوقفون إلى زمان طوافها بعد الطهارة. وقد حاضت صفية أيضا ليلة النفر، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «عقرى حلقى»! ومعناه: عقرها الله، وأصابها في حلقها الوجع، وهذا مما جرى على ألسنتهم من غير قصد لمعناه، ولا الدعاء به عليها. فسألها النبي صلى الله عليه وسلم هل طافت طواف الإفاضة؟ فقالت: نعم، فأخبرها أنه لا بأس بذلك، فلترجع وتذهب؛ إذ طواف الوداع ساقط عن الحائض
ثم تحكي عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيها بالمحصب وهو مبتدئ السير من مكة إلى خارجها وهي منهبطة عليها، أو وهي مصعدة وهو منهبط منها
وفي الحديث: مشروعية التمتع بعمرة في أيام الحج
وفيه: رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه في معاملة النساء