مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 477
حدثنا عبد الله بن بكر ومحمد بن جعفر، قالا: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسا أن يتزوج الرجل وهو محرم، ويقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث بماء يقال له: سرف، وهو محرم، فلما قضى نبي الله حجته، أقبل، حتى إذا كان بذلك الماء أعرس بها
بيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكِرامُ رَضيَ اللهُ عنهم أجْمَعينَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزوَّجَ مَيمونةَ بنتَ الحارثِ الهِلاليَّةَ رَضيَ اللهُ عنها حالَ كونِه مُتلبِّسًا بالإحْرامِ للعُمرةِ، وهذا يَقتَضي مَشْروعيَّةَ نِكاحِ المُحرِمِ، وقد ثبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أحاديثَ أُخْرى النَّهيُ عن نِكاحِ المُحرِمِ؛ منها ما في صَحيحِ مُسلِمٍ مِن حَديثِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لا يَنكِحُ المُحرِمُ، ولا يُنكِحُ، ولا يَخطُبُ»
وهذا ما ظهَرَ لابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما مِن أمْرِ زَواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بمَيمونةَ، فقال به؛ لأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان مُحرِمًا بعُمرةِ القَضاءِ -أو القضيَّةِ- في هذا الوَقتِ، والصَّوابُ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزوَّجَها في طَريقِ مكَّةَ قبْلَ أنْ يُحرِمَ، وظهَرَ أمْرُ تَزويجِها بعْدَ أنْ أحْرَمَ، ثُمَّ بَنى بها وهو حَلالٌ بسَرِفَ، وهو في طَريقِه إلى المدينةِ؛ ففي التِّرمِذيِّ عن يَزيدَ بنِ الأصَمِّ، عن مَيمونةَ رَضيَ اللهُ عنها: «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزوَّجَها وهو حَلالٌ، وبَنى بها حَلالًا»
وقدْ أخْبَرَت مَيمونةُ رَضيَ اللهُ عنها عنْ نفْسِها –كما في صَحيحِ مُسلِمٍ- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَزوَّجَها وهو حَلالٌ، وهي أعلَمُ وأدْرَى بهذا الأمْرِ
وذكَرَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ أمَّ المؤمِنينَ مَيمونةَ رَضيَ اللهُ عنها قد ماتتْ بسَرِفَ، وهو مَوضِعٌ يَبعُدُ عن مكَّةَ حوالَيْ عَشَرةِ أمْيالٍ، وكان هذا سَنةَ إحْدى وخَمسينَ مِن الهِجرةِ على الصَّحيحِ
وفي الحَديثِ: أنَّ مَن تَحلَّلَ مِن إحْرامِه؛ فقدْ حَلَّ له كُلُّ شَيءٍ، ومنه: الزَّواجُ، وعَقدُ النِّكاحِ
وفيه: احْتِمالُ وُقوعِ الوَهَمِ مِن بَعضِ رُواةِ الحَديثِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويُعرَفُ هذا بمُقابَلةِ النُّصوصِ ببَعضِها