مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 802

مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عن النبي صلى الله عليه وسلم 802

حدثنا أبو النضر، حدثنا عبد الحميد، حدثنا شهر، حدثني عبد الله بن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها: سودة، وكانت مصبية، كان لها خمسة صبية أو ستة، من بعل لها مات، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يمنعك مني؟ " قالت: والله يا نبي الله، ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يضغو هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشية. قال: " فهل منعك مني شيء غير ذلك؟ " قالت: لا والله. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحمك الله، إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغر، وأرعاه على بعل بذات يد " (2)

تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ نبيه صلى الله عليه وسلم من القتل، كما تكفل بحفظ أوليائه من المؤمنين، ومع هذا فقد أمرنا بأخذ أسباب النصر، والحيطة والحذر من العدو في وقت المعركة بكل الوسائل
وفي هذا الحديث يحكي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وسميت بذلك؛ لأن دوابهم التي يرتحلون عليها كانت قليلة، وقد تقرحت وورمت أقدامهم من الحفاء، فلفوا عليها الخرق، وهي الرقاع، وكانت هذه الغزوة في السنة الرابعة من الهجرة، وقد خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد، يريد بني محارب بن خصفة، وبني ثعلبة بن سعد بن غطفان
وأخبر جابر رضي الله عنه أنهم كانوا إذا نزلوا ليستريحوا ووجدوا شجرة لها ظل، تركوها للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لينزل تحتها ويستظل بها، فنزل صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، فجاء رجل من المشركين اسمه غورث بن الحارث، وكان سيف النبي صلى الله عليه وسلم معلقا بالشجرة وهو نائم، فاخترطه، أي: سله هذا الرجل وأخذه، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: تخافني؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ فأجابه: الله يمنعني منك
فتهدده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وخوفوه، وظاهر ذلك يشعر بأنهم حضروا القصة، وأنه إنما رجع عما كان عزم عليه بتهديدهم، وليس كذلك؛ بل وقع في رواية أخرى في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «إن هذا اخترط سيفي، فقال: من يمنعك؟ قلت: الله، فشام السيف، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه»، و«شام السيف»: أغمده في جرابه من تلقاء نفسه
وبعد ذلك أقيمت الصلاة، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بهم صلاة الخوف، وكانت صفة صلاته لها في هذه الغزوة: أن قام بطائفة من الجيش ركعتين، ثم سلم وسلموا، ثم تأخروا إلى جهة العدو، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم متنفلا بالطائفة الأخرى التي كانت في جهة العدو ركعتين، ثم سلم وسلموا، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع: ركعتان فرضا، وركعتان نفلا، وللقوم ركعتين فرضا
وقال أبو الزبير -أحد الرواة- عن جابر: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بنخل، فصلى صلاة الخوف، ويحكي أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة نجد صلاة الخوف، وإنما جاء أبو هريرة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيام خيبر، فدل على أن غزوة ذات الرقاع بعد خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة من جهة نجد ألا تتعدد؛ فإن نجدا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات، فيحتمل أن يكون أبو هريرة رضي الله عنه حضر التي بعد خيبر لا التي قبلها
وفي الحديث: توقير الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأدبهم معه
وفيه: معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: الحرص على أداء الصلوات حتى في أوقات الحرب، وبيان أهمية صلاة الجماعة؛ إذ شرعت في حالة الخوف؛ فالأولى بالآمن المطمئن الحرص عليها
وفيه: يسر الشريعة على المكلفين في أداء الصلاة