مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما476
مسند احمد
![مسند عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما476](https://ghondur.com/a/uploads/images/202502/image_870x_67a3b8ea08434.jpg)
حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن عمارة بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يوشك أن يغربل الناس غربلة، وتبقى حثالة من الناس، قد مرجت عهودهم وأماناتهم، وكانوا هكذا "، وشبك بين أصابعه، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: " تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتدعون عامتكم " (1)حدثناه قتيبة بن سعيد، بإسناده ومعناه، إلا أنه قال: " وتبقى حثالة من الناس، وتدعون (2) أمر عامتكم "
مِن مَعالِمِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه أخبَرَ أصحابَه بالفِتَنِ التي سَتَقَعُ بَعدَ وفاتِه ويُدرِكونَها، وحَذَّرهم مِنها؛ فقد كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَريصًا على أصحابِه يُحِثُّهم على الخَيرِ ويوصيهم به، ويُرشِدُهم إلى ما يَعمَلونَه إذا ظَهَرَتِ الفِتَنُ وأدرَكوها، وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعضَ الفِتَنِ، فيَقولُ مُخاطِبًا الصَّحابةَ: كَيف بكُم وبِزَمانٍ، أي: ما حالُكُم إذا جاءَ ذلك الوقتُ، أو -وهو شَكٌّ مِنَ الرَّاوي- يوشِكُ أن يَأتيَ زَمانٌ، أي: يَقرُبُ أن يَأتيَ زَمانٌ يُغَربَلُ النَّاسُ. وهو عِبارةٌ عن مَوتِ الأخيارِ وبَقاءِ الأشرارِ الأراذِلِ، والشَّيءُ المُغَربَلُ: المُنَقَّى، كَأنَّه نُقِّي بالمُنخُلِ، فيه، أي: في ذلك الزَّمانِ. غَربَلةً، أي: تَأكيدًا لشِدَّةِ الغَربَلةِ، تَبقى حُثالةٌ مِنَ النَّاسِ. الحُثالةُ: هيَ ما سَقَطَ مِن قِشرِ الشَّعيرِ والأَرُزِّ والتَّمرِ، والرَّديءُ مِن كُلِّ شَيءٍ، أي: أراذِلُهم، قد مَرَجَت، أي: اختَلَطَت وفسَدَت، عُهودُهم وأماناتُهم، أي: لا يَكونُ أمرُهم مُستَقيمًا، بَل يَكونُ كُلُّ واحِدٍ في كُلِّ لَحظةٍ على طَبعٍ وعلى عَهدٍ يَنقُضونَ العُهودَ ويَخونونَ الأماناتِ، واختَلَفوا، أي: فيما بَينَهم، فكانوا هَكَذا، وشَبَّكَ بَينَ أصابِعِه، أي: أدخَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصابِعَ يَدِه اليُمنى في أصابِعِ يَدِه اليُسرى، أي: يُمزَجُ بَعضُهم ببَعضٍ ويُلبَسُ أمرُ دينِهم، فلا يُعرَفُ الأمينُ مِنَ الخائِنِ، ولا البَرُّ مِنَ الفاجِرِ! وتَشبيكُ الأصابِعِ كِنايةٌ عن مُلابَسةِ الخُصوماتِ والدُّخولِ والخَوضِ فيها كما تَدخُلُ الأصابِعُ بَعضُها في بَعضٍ؛ حتَّى لا يَتَمَيَّزَ الخَبيثُ مِنَ الطَّيِّبِ.
فقال الصَّحابةُ: كَيف بنا يا رَسولَ اللهِ، أي: فما نَفعَلُ عِندَ ذلك، وبِمَ تَأمُرُنا؟ قال: تَأخُذونَ، أي: مِنَ الشَّريعةِ، ما تَعرِفونَ، أي: ما تَعرِفونَ كَونَه حَقًّا، فتَأخُذونَه وتَعمَلونَ به، وتَذرون، أي تَترُكونَ ما تُنكِرونَ، أي: ما تُنكِرونَ أنَّه حَقٌّ، وتُقبِلونَ على أمرِ خاصَّتِكُم، أي: على مَن يختَصُّ بكُم مِنَ الأهلِ والخَدَمِ، أو على إصلاحِ الأحوالِ المُختَصَّةِ بأنفُسِكُم. وتَذَرون أمرَ عامَّتِكُم، أي: تَترُكونَ الأمرَ الذي يَتَعَلَّقُ بغَيرِكُم مِن عامَّةِ النَّاسِ، كالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ وغَيرِ ذلك؛ لعَدَمِ الجَدوى عِندَ حُصولِ الفِتَنِ.
وفي الحَديثِ عَلَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه بَيانُ فَسادِ النَّاسِ.
وفيه شِدَّةُ تَهاوُنِ النَّاسِ بأمرِ العُهودِ والأماناتِ.
وفيه حِرصُ الصَّحابةِ على طَلَبِ الوصيَّةِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ فسادِ النَّاسِ.
وفيه بَيانُ الواجِبِ عِندَ حُدوثِ الفِتَنِ مِنِ اهتِمامِ الشَّخصِ بخاصَّةِ نَفسِه وتَركِه أمرَ العامَّةِ.