مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 171

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 171

 حدثنا حجاج، أخبرنا شريك، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الخيل ثلاثة، ففرس للرحمن، وفرس للإنسان، وفرس للشيطان، فأما فرس الرحمن: فالذي يربط في سبيل الله، فعلفه وروثه وبوله، وذكر ما شاء الله، وأما فرس الشيطان: فالذي يقامر أو يراهن عليه، وأما فرس الإنسان: فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها، فهي تستر [ص:299] من فقر "

الخَيْلُ حَيَوانٌ أَليفٌ، وفيه مِسْحَةٌ من فَخامَةٍ وجَمالٍ، وقد بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أهمِّيَّتَها كما بيَّن كيفيَّةَ اقْتنائِها؛

 لتكونَ أجْرًا لصاحِبِها، وتكونَ في سَبيلِ اللهِ، فقالَ: "الخَيْلُ ثَلاثَةٌ"، أي: ثَلاثَةُ أنْواعٍ في حُكْمِها عندَ اللهِ تَعالى، "ففَرَسٌ للرَّحْمنِ"، أي: مُعدَّةٌ للعَمَلِ في سَبيلِ اللهِ ومُرادِه، "وفَرَسٌ للشَّيْطانِ" وهو الذي يُسْتخدَمُ في مَعْصيةٍ، وسُمِّيَ فَرَسَ الشَّيْطانِ؛ لأنَّه ممَّا يُعجِبُه منه الشَّيْطان وكفى به إثمًا، "وفَرَسٌ للإنْسانِ"، أي: حَظُّها مَقْصورٌ على نَفْسِه في الدُّنْيا لا أجْرَ ولا وِزْرَ، ثم فصَّلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحوالَ هذه الثَّلاثةِ، فقال: "فأمَّا فَرَسُ الرَّحْمنِ" والإضافَةُ للتَّشْريفِ "فالذي يَرْتَبِطُ في سَبيلِ اللهِ"، أي: مَوْقوفٌ على الحَرْبِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ وإعْلاءِ كلِمَتِه، "فعَلَفُه"، أي: طَعامُه "ورَوْثُه وبَوْلُه"، أي: فَضَلاتُه "في مِيزانِه"، أي: في كِفَّةِ حَسَناتِ مَنْ ارْتَبَطَه تكونُ أجرًا له، وهذا من المُبالَغَةِ في احْتِسابِ الثَّوابِ؛ لأنَّه إذا اعْتَبَرَ ما تَسْتقذِرُه النُّفوسُ، وتَنفِرُ عنه الطِّباعُ؛ فكيف بغَيْرِها؟! "وأمَّا فَرَسُ الشَّيْطانِ، فالذي يُقامَرُ أو يُراهَنُ عليه" وذلِك على ما كانَ عليه أَمْرُ الجاهِليَّةِ بأنْ يَتَّفِقا بيْنَهما على قِيمَةٍ مُعيَّنةٍ يَسْتحِقُّها السابِقُ منهما، وهذا بخِلافِ المُسابقةِ بين الخيلِ وغيرِها ممَّا هو مِن عُدَّةِ الجِهادِ، ويُخرِجُ الوالي أو مَن يقومُ مَقامَه للسابقِ شيئًا مَعلومًا كجائزةٍ، أو يتطوَّعُ غيرُ الوالي مِن مالِه بقِيمةِ الجائزةِ، فهذا مشروعٌ ومطلوبٌ لأنه عُدَّةُ القِتالِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، وفيه تَرغيبٌ في الجِهادِ، وقد سابَقَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بينها وجعَل جُعلًا للسابقِ مِن الفُرسانِ، كما عند أبي داودَ: "لا سَبَقَ إلَّا في خُفٍّ أو نَصْلٍ أو حافِرٍ"؛ فأخْذَ المالِ في مُسابَقةِ الإبلِ والخَيلِ والسِّهامِ ليس مِن القِمارِ المنهيِّ عنه. "وأمَّا فَرَسُ الإنْسانِ، فالفَرَسُ يَرْتَبِطُها الإنْسانُ يَلْتَمِسُ بَطْنَها"، أي: يَطلُبُ بها النِّتاجَ، "فهي سِتْرٌ من الفَقْرِ"، أي: تَحولُ بينه وبين الفَقْرِ؛ لارْتِفاقِه بها بالبَيْعِ والمُتاجَرَةِ، ووَجْهُ الحَصْرِ في الثَّلاثَةِ أنَّ الذي يَقْتَني الخيْلَ، إنَّما يَقْتَنيها لرُكوبٍ أو تِجارَةٍ، وكُلٍّ منهما إما أنْ تَقْترِنَ به طاعَةٌ، فهو طاعَةٌ، أو تَقْترِنَ به مَعْصيةٌ، فهو مَعْصيةٌ