مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 207

مسند احمد

مسند عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه 207

حدثنا حجاج، أخبرنا شريك، عن سماك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه»

الرِّبا نَوعٌ مِن أنواعِ الاستِغلالِ في المُعامَلاتِ، وفيه قدْرٌ كبيرٌ مِنَ الضَّررِ، وفيه سُحْتٌ وأخْذُ زِيادةٍ بالباطلِ؛ ومِن هنا كان مُحَرَّمًا في جَميعِ الشَّرائعِ
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عبْدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ«لعَنَ» -وهو الطَّردُ والإبعادُ عن رَحمتِه سُبْحانَه- «آكِلَ الرِّبا، ومُوكِلُه»؛ فهذا نَهْيٌ عنِ التَّعامُلِ بالرِّبا، ومنَعَه على الطَّرَفينِ معًا، فالآكِلُ: هو الَّذي يُعطي المالَ، ويَأخُذُ زِيادةً على ما أَعْطى، والمُوكِلُ: هو الَّذي يُعطي الزِّيادةَ، وإنَّما خُصَّ بالأكْلِ؛ لأنَّ الَّذينَ نزَلَ فيهم النَّهيُ كانتْ طُعمَتُهُم مِنَ الرِّبا، وإلَّا فالوَعيدُ حاصِلٌ لكُلِّ مَن عَمِلَ به، سَواءٌ أكَلَ منه أمْ لا؛ ولكنَّه أعانَه عليه، كما جاء في قَولِه: «وشاهِدَيْه»؛ وهو الَّذي يَشهَدُ على عَقْدِهِما، «وكاتِبَه»؛ أي: الَّذي يَكتُبُه لهما، والمُرادُ: النَّهيُ عنِ التَّعامُلِ بالرِّبا، سَواءٌ كان في المالِ، أو السِّلَعِ، والتَّحْذيرُ هنا يَبدَأُ بآكِلِ الرِّبا، ومُوكِلِه، وشاهِدِه، وكاتِبِه، ويَنتَهي بالمُجتَمَعِ الَّذي يَرضَى بمِثلِ هذا، ولا يُحارِبُه
والرِّبا أنْواعٌ؛ منها رِبا الزِّيادةِ، مِثلُ: أنْ يَبيعَ الإنسانُ دِرْهَمًا بدِرْهَمينِ، أو دِينارًا بدِينارينِ، أو صاعًا مِنَ التَّمْرِ بصاعينِ مِنَ التَّمرِ، ويُسمَّى هذا: رِبا الفَضْلِ
ومنها: الزِّيادةُ عِندَ التَّأخيرِ في بَيعِ الأجْناسِ الرِّبَويَّةِ، كالذَّهَبِ والفِضَّةِ، ويُسمَّى رِبا النَّسيئةِ، ومِثلُ هذا يَشتمِلُ على ظُلمٍ كَبيرٍ للمُقترِضِ، ورُبَّما أوقَعَه في الدُّيونِ المُتراكِبةِ، وعلى أثَرِ هذا يَترتَّبُ خَلَلٌ كَبيرٌ لنِظامِ المالِ في المُجتمَعِ، فيَمنَعُ النَّاسُ أمْوالَهُم في التِّجارةِ، ويَزدادُ الغَنيُّ غِنًى، والفَقيرُ فَقْرًا
ثُمَّ حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنِ انتشارِ مَعْصيتينِ وكَبيرتينِ مِنَ الكبائرِ في النَّاسِ والمجتمَعاتِ؛ وهُما الرِّبا والزِّنا؛ وهو إتيانُ النِّساءِ في الحَرامِ، وهو مِن أعظَمِ الفَواحشِ وأكثَرِها مَفاسِدَ، «إلَّا أَحَلُّوا»؛ أي: أنزَلوا وأَوجَبوا، «بأنفُسِهم عِقابَ اللهِ عزَّوجلَّ»؛ والمرادُ به: عَذابُهُ، وهذا العَذابُ يكونُ في الدُّنيا، وفي الآخِرةِ، إذا لمْ يَتوبوا إلى اللهِ؛ ففي الدُّنيا تَنتشِرُ الأمْراضُ، والعِلَلُ، والعَداواتُ، وإراقةُ الدِّماءِ بسَببِ الزِّنا، وتُمحَقُ البَرَكةُ بسَبَبِ الرِّبا، وفي الآخِرةِ يكونُ العذابُ مِنَ اللهِ جَزاءً على هذه الكَبائرِ، وفي إضافةِ العَذابِ إلى اللهِ تَفْظيعٌ لشأْنِه، وتَعظيمٌ لقَدْرِه، وتَهْويلٌ لأمْرِ هاتينِ المَعصيتَينِ
وفي الحَديثِ: التَّشْديدُ والتَّحْذيرُ مِنَ التَّعامُلِ بالرِّبا بكُلِّ أنواعِه
وفيه: النَّهيُ عنِ الإعانةِ على الباطلِ
وفيه: بَيانُ أنَّ المعاصِيَ والذُّنوبَ والفَواحِشَ أصلُ كُلِّ بَليَّةٍ وشَرٍّ في الدُّنْيا والآخِرةِ، وهي مِن أسْبابِ وُقوعِ العَذابِ