‌‌مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 35

‌‌مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه 35

حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت مغيرة بن مسلم أبا سلمة (1) ، يذكر عن مطر، عن نافع، عن ابن عمر:
أن عثمان أشرف على أصحابه وهو محصور، فقال: علام تقتلوني؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم، أو قتل عمدا فعليه القود، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل "، فوالله ما زنيت في جاهلية ولا إسلام، ولا قتلت أحدا فأقيد نفسي منه، ولا ارتددت منذ أسلمت، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله (2)

دمُ المُسلمِ على المُسلمِ حَرامٌ؛ فلا يَحِلُّ إراقةُ دَمِ مُوحِّدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، إلَّا بِحقِّ اللهِ تعالى، وقد كان في قِتْلِ أميرِ المُؤمنينَ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضِيَ اللهُ عنه فِتنةٌ عَظيمةٌ، وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مُجبَّرُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ:

"أنَّ عُثمانَ أشرَفَ على الَّذين حصَرُوه"، أي: اطَّلعَ وظهَرَ للَّذينَ يُحاصِرون دارَهُ، "فسلَّمَ عليهم، فلم يَرُدُّوا عليه، فقال عُثمانُ: أفي القومِ طَلحةُ؟ قال طَلحةُ: نعَمْ،

قال: فإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ! أُسلِّمُ على قَومٍ أنتَ فيهم، فلا تَرُدُّونَ؟!

قال: قد ردَدْتُ، قال: ما هكذا الرَّدُّ، أُسمِعُك ولا تُسمِعُني يا طلحةُ؟!"

وكان طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه مِن الحانقينَ والمُنكرينَ على عُثْمانَ بَعضَ أفعالِهِ، "نَشدْتُكَ اللهَ"، أي: استَحْلفْتُك باللهِ، "أسمِعْتَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: لا يُحِلُّ دَمَ المُسلمِ"، أي: لا يُحِلُّ قَتْلَه، "إلَّا واحدةٌ مِن ثلاثٍ"، أي: إلَّا بسبَبِ إحدى ثلاثِ خِصالٍ، "أنْ يَكفُرَ بعدَ إيمانِه"، أي: يَرتدَّ عن الإسلامِ، "أو يَزْنِيَ بعدَ إحصانِه" المُرادُ بالإحصانِ هنا: أنْ يتزوَّجَ نِكاحًا صَحيحًا، ويَدخُلَ بالمرأةِ، فإنَّهُ إذا ارتكَبَ فَاحشةَ الزِّنا يُرجَمُ حتَّى الموتِ،

"أو يَقتَلَ نفْسًا، فيُقتَلَ بها"، أي: يَقتُلَ نفْسًا مَعصومةَ الدَّمِ عمْدًا، فيُقتَلَ بها قِصاصًا،

"قال: اللَّهُمَّ نعَمْ، فكبَّرَ عُثمانُ، فقال: واللهِ ما أنكرْتُ اللهَ مُنذُ عَرَفْتُه"، أي: ما ارتدَدْتُ عن الإسلامِ ولا أشركْتُ باللهِ مُنذُ دُخولي في دِينِ الإسلامِ،

"ولا زَنَيْتُ في جاهليَّةٍ ولا الإسلامِ؛ وقد تَركْتُه في الجاهليَّةِ تكرُّهًا، وفي الإسلامِ تَعفُّفًا، ولا قتلْتُ نفْسًا يَحِلُّ بها قَتْلي"، يعني: أنَّ أسبابَ القَتْلِ هي المذكورةُ في هذا الحديثِ، وهو رضِيَ اللَّه تعالى عنه ما ارتكَبَ شيئًا منها يُوجِبُ قَتْلَه؛ فلذلك استنكَرَ عليهم تَجمُّعَهم لِقَتْلِه.