مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه 2
حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي وائل:
أن الصبي بن معبد، كان نصرانيا تغلبيا أعرابيا فأسلم، فسأل: أي العمل أفضل؟ فقيل له: الجهاد في سبيل الله عز وجل. فأراد أن يجاهد، فقيل له: حججت؟ فقال: لا. فقيل: حج واعتمر، ثم جاهد. فانطلق، حتى إذا كان بالحوائط أهل بهما (3) جميعا، فرآه زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة، فقالا: لهو أضل من جمله، أو ما هو بأهدى من ناقته. فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فأخبره بقولهما فقال: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم.
قال الحكم: فقلت لأبي وائل: حدثك الصبي؟ فقال: نعم (1)
* قَوْلُهُ "أَنَّ الصُّبَيَّ" : - هُوَ بِضَمِّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَتَشْدِيدِ يَاءٍ - .
قَوْلُهُ "فَقِيلَ لَهُ: الْجِهَادُ" : لَمْ يُدْرَ مَنْ قَالَ لَهُ، عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ إِمَّا مُسْتَثْنًى; لِظُهُورِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ وَكَذَا الْفَرَائِضُ عَيْنًا.
"فَرَآهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ" : ضُبِطَ بِضَمِّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ - .
"لَهُوَ أَضَلُّ مِنْ جَمَلِهِ" : أَيْ: إِنَّ عُمَرَ مَنَعَ مِنَ الْجَمْعِ، وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ الْمَنْعُ،
وَهُوَ لَا يَدْرِي بِهِ،فَهُوَ مِثْلُ الْجَمَلِ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ، وَالْجَمَلُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَغَيْرُ عَاقِلٍ،
بِخِلَافِ هَذَا،فَإِذَا كَانَ مَعَ التَّكْلِيفِ وَالْعَقْلِ كَالْجَمَلِ، فَهُوَ أَضَلُّ مِنْهُ.
"هُدِيتَ" : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَتَاءِ الْخِطَابِ;
أَيْ: هَدَاكَ اللَّهُ بِوَاسِطَةِ مَنْ أَفْتَاكَ،
أَوْ هَدَاكَ مَنْ أَفْتَاكَ.
فَإِنْ قُلْتَ: كَانَ عُمَرُ يَمْنَعُ عَنِ الْجَمْعِ، فَكَيْفَ قَرَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَحْسَنِ تَقْرِيرٍ;
قُلْتُ: كَأَنَّهُ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمَصَالِحِ، وَيَرَى أَنَّهُ جُوِّزَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَصْلَحَةٌ اقْتَضَتِ الْجَمْعَ فِي حَقِّهِ، فَالْجَمْعُ فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.