الحياء من الإيمان
بطاقات دعوية
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان.
أولًا : التخريج
هذا الحديث متفق عليه أخرجه البخاري، ومسلم.
ثانيًا : المفردات
· قوله يعظ : الوعظ النصح والتخويف والتذكير بالعواقب.
· قوله أخاه : الظاهر أنه أراد الأخ في القرابة ويحتمل أن يراد الأخ في الإسلام على ما هو عرف الشارع.
· قوله في الحياء : أي في شأن الحياء وفي حقه ومعناه أنه ينهاه عنه ويخوفه منه.
· قوله دعه : أي اتركه
ثالثًا : الفوائد
1- قوله يعظ أخاه في الحياء المراد بوعظه أنه يذكر له ما يترتب على ملازمته الحياء من المفسدة.
2- الحياء نوعان:
أحدهما: غريزي، وهو خُلق يمنحه الله العبد ويجبله عليه فيكفه عن ارتكاب القبائح والرزائل، ويحثه على فعل الجميل وهو من أعلى مواهب الله للعبد، فهذا من الإيمان باعتبار أنه يؤثر ما يؤثره الإيمان من فعل الجميل والكف عن القبيح، وربما ارتقى صاحبه بعده إلى درجة الإيمان فهو وسيلة إليه كما قال عمر: من استحيى اختفى، ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقي.
وقال بعض التابعين تركت الذنوب حياء أربعين سنة، ثم أدركني الورع.
وقال ابن سمعون رأيت المعاصي نذالة؛ فتركتها مروءة فاستحالت ديانة .
والنوع الثاني: أن يكون مكتسبًا، إما من مقام الإيمان كحياء العبد من مقامه بين يدي الله يوم القيامة فيوجب له ذلك الاستعداد للقائه، أو من مقام الإحسان، كحياء العبد من اطلاع الله عليه وقربه منه، فهذا من أعلى خصال الإيمان.
3- قد يتولد الحياء من الله من مطالعة النعم فيستحيي العبد من الله أن يستعين بنعمته على معاصيه، فهذا كله من أعلى خصال الإيمان.
4- قد يصد الحياء صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق وهذا الحياء غير شرعي بل هو عجز ومهانة وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي والمراد بالحياء في الحديث ما يكون شرعيًا.
5- قوله ( إن الحياء من الإيمان) استخدام لفظ التوكيد (إن) دليل على أن الرجل كان منكرًا ، لأنه كان يمنعه منه فلو كان معترفاً أنه من الإيمان لما منعه من ذلك، وفيه شرف الصحابة إذ لا يأمرون بما يعلمون أنه منكر.
6- الحياء من الإيمان ومع ذلك فإن ذهب الحياء بقي الإيمان ففي الحديث دليل على المرجئة والخوارج الذين يقولون إن الإيمان شيء واحد،
قالت "الخوارج" : هو مجموع ما أمر الله به ورسوله وهو الإيمان المطلق فإذا ذهب شيء منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيء فيخلد في النار.
وقالت " المرجئة " على اختلاف فرقهم : لا تُذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة شيئا من الإيمان إذ لو ذهب شيء منه لم يبق منه شيء فيكون شيئا واحدا يستوي فيه البر والفاجر.
7- قال ابن رجب :
· خرج البخاري في " تفسيره " عن ابن عباس في قوله تعالى {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه} [هود: 5] أنها نزلت في قوم كانوا يجامعون نساءهم ويتخلون فيستحيون من الله فنزلت الآية.
· وكان الصديق يقول: "استحيوا من الله؛ فإني أذهب إلى الغائط فأظل متقنعا بثوبي حياء من ربي عز وجل" .
· وكان أبو موسى إذا اغتسل في بيت مظلم لا يقيم صلبه حياء من الله عز وجل.
· قال بعض السلف: خف الله على قدر قدرته عليك، واستحيي منه على قدر قربه منك.