باب الاستئذان فى العورات الثلاث

باب الاستئذان فى العورات الثلاث

حدثنا ابن السرح قال حدثنا ح وحدثنا ابن الصباح بن سفيان وابن عبدة - وهذا حديثه - قالا أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبى يزيد سمع ابن عباس يقول لم يؤمر بها أكثر الناس آية الإذن وإنى لآمر جاريتى هذه تستأذن على. قال أبو داود وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس يأمر به.

الاستِئْذانُ عندَ دخولِ البيوتِ من الآدابِ المهمَّةِ في الإسلامِ؛ وذلك للتَّحرُّزِ مِنَ الاطِّلاعِ على العَوْراتِ وما لا يَنبَغي رؤيتُه، مع حِفظِ هيئاتِ النَّاسِ وللتَّعريفِ بالدَّاخلِ، ومنحِ الإذنِ بالدُّخولِ أو عدَمِه
وفي هذا الحديثِ يَقولُ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "لَم يُؤمَرْ" وفي لفظ: لَم يُؤمِنْ، أي: لَم يَعمَلْ "بها أكثَرُ النَّاسِ"، فلَم يُطبِّقوها كما يَنبَغي، أو لم يَعْمَلوا بها؛ يَعْني "آيَةَ الإذنِ"، وهي قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]؛ الآيَةَ، والأمرُ بالاستِئْذانِ في هذه الآيةِ للخدَمِ وللأولادِ الصِّغارِ الَّذينَ لم يَبلُغوا الحلُمَ في الأوقاتِ المذكورةِ في الآيةِ، وأمَّا غيرُهم مِن الكبارِ والأجانبِ فإنَّهم يَستَأذِنون في جميعِ الأوقاتِ
وقولُ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "وإنِّي لآمُرُ"، أي: أطلُبُ على سَبيلِ الحَتْمِ والإلزامِ مِن "جاريتي"، أي: أمَتي، "هذه" الَّتي ترَونَها "أن تَستَأذِنَ عليَّ" عندَ الدُّخولِ عليَّ، والجاريةُ هي الخادِمَةُ، أو الطِّفلةُ الصَّغيرةُ، فلا تَدخُلُ بدونِ إذني، ولو كان هناك أبوابٌ أو سُتورٌ، ولا شكَّ أنَّ هذا أكمَلُ وأحوَطُ، فيَستَأذِنُ الخادِمُ والصَّبيُّ بالكلامِ بحَيثُ يُعرَفُ؛ حتَّى يُنتَبَهَ له؛ فيُطبِّقُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما الآيةَ كما ينبَغي.
وقَد فسَّرَت بعضُ الرِّواياتِ كيف أنَّ النَّاسَ لم يُطبِّقوا هذه الآيةَ؛ وذلك أنَّ النَّاسَ كانوا في أوَّلِ الأمرِ وليس في البيوتِ سُتورٌ، فطُلِب منهُم الاستِئْذانُ فاستَأذَنوا، وبعدَ ذلك كَثُرَتِ السُّتورُ، فكان كثيرٌ مِن النَّاسِ يظُنُّ أنَّه لا يُحتاجُ إلى الإذنِ؛ لأنَّ هناك سُتورًا لا يتَجاوَزُها الدَّاخِلون، فلا يقَعون على شيءٍ مِن العوراتِ، فظَنُّوا أنَّه لا حاجةَ إلى الإذنِ لِنُدرةِ الاطِّلاعِ على العوراتِ، بخلافِ أوَّلِ الأمرِ فقد كان النَّاسُ فُقراءَ، وليس في البيوتِ سُتورٌ أو أبوابٌ؛ لذلك كان النَّاسُ يُؤمَرون به، وهذا فَهْمٌ غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ الاستئذانَ مَطلوبٌ على كلِّ حالٍ.
وفي بعضِ الألفاظِ الَّتي ورَدَت أنَّه "لم يُؤمِنْ بها"، يَعْني: لم يَعمَلْ بها "كثيرٌ مِن النَّاسِ"؛ ممَّا يُبيِّنُ أنَّ العمَلَ مِن الإيمانِ، وأنَّه داخلٌ في الإيمانِ