باب السرايا
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو عامر، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق
عن البراء بن عازب، قال: كنا نتحدث أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يوم بدر، ثلاث مئة وبضعة عشر، على عدة أصحاب طالوت من جاز معه النهر، وما جاز معه إلا مؤمن
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ مِن أشقِّ الأعْمالِ وأعْظَمِها أجْرًا، ولا يَقْوى عليه إلَّا مُؤمِنٌ صادِقُ الإيمانِ.
وفي هذا الحَديثِ يَذكُرُ البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما عدَدَ أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذين شَهِدوا معَه غَزْوةَ بَدرٍ، وكانت في رَمضانَ مِن السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجْرةِ، وفي هذه الغَزْوةِ نَصَر اللهُ رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والصَّحابةَ على قُرَيشٍ. وكان البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه يومَها صَبيًّا صَغيرًا لا يَقْوى على الجِهادِ، فرَدَّه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومِن ثَمَّ فهو يُحدِّثُ بهذا عن أصْحابِ رَسولِ اللهِ الَّذين شَهِدوا المَعرَكةَ معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيُخبِرُ أنَّهم كانوا نفْسَ عدَدِ أصْحابِ طالُوتَ الَّذِينَ جازوا معَه النَّهرَ، وكان عدَدُهم بِضْعةَ عَشَرَ وثَلاثَ مِئةٍ، والبِضْعُ: ما بيْن الثَّلاثةِ والتِّسعةِ، وطالوتُ هو الملِكُ الَّذي بعَثَه اللهُ لبَني إسْرائيلَ لِيُقاتِلوا معَه جالوتَ، وقد ذكَرَ اللهُ تعالَى خَبرَهم في القُرآنِ: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 249]، أي: إنَّكم ستمُرُّونَ على نَهرٍ، فلا يَشرَبْ منه أحدٌ إلَّا غُرفةً بيَدِه، فشَرِبَ مُعظمُهم إلَّا قَليلًا منهم، فلمْ يكُنْ مِن الذين اجْتازوا معه النَّهرَ ولم يَشْربوا، إلَّا مُؤمِنٌ حقًّا. ويُقسِمُ البَراءُ بنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه ما جاوَزَ النَّهرَ معَ طالوتَ إلَّا مَن كان مُؤمنًا، وإنَّما حلَف تَأْكيدًا للخَبرِ.
وفي الحديثِ: إشارةً إلى أنَّ اللهَ قدْ نَصَر المُسلِمينَ في بَدرٍ معَ قلَّةِ العدَدِ والعُدَّةِ على جَيشٍ يَبلُغُ أضْعافَ جَيشِهم، كما نصَر أصْحابَ طالوتَ على جالوتَ.