باب القسمة بين النساء 3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى، قالا: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله ابن يزيد
عن عائشة، قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه، فيعدل، ثم يقول: "اللهم هذا فعلي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك" (1).
الظُّلمُ ظُلماتٌ يَومَ القيامةِ، ومِن الظُّلمِ: ألَّا يَعدِلَ المتزوِّجُ بيْن أكثَرَ مِن واحدةٍ في النَّفَقةِ، أو قِسْمةِ اللَّيالي بينَهنَّ، فيُعاقبُه اللهُ بهذا المَيلِ إلى إحداهنَّ بأنْ يَأتِيَ مائلًا يَومَ القيامةِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نَعدِلُ بيْنَ الزَّوجاتِ فيما نَستطيعُ، أمَّا المَيلُ القَلْبيُّ فلا يَملِكُه العَبدُ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ عائِشَةُ رضِيَ اللهُ عنها: "أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقسِمُ بيْنَ نِسائِه فيَعدِلُ"، أي: يَقسِمُ بيْنَهُنَّ بالعَدلِ في كُلِّ أُمورِ الحَياةِ والمَعاشِ، "ويقولُ: اللَّهُمَّ هذا قَسْمي فيما أملِكُ"، أي: فيما أملِكُ التَّصرُّفَ فيه بإرادتي، "فلا تَلُمْني فيما تَملِكُ ولا أملِكُ"، يَعني: مَيلَ القَلبِ إلى إحدى الزَّوجاتِ، فهذا ممَّا يَملِكُه اللهُ، وقد قال الحقُّ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} [النساء: 129]، أي: لا تَتَعمَّدوا الإساءةَ، بل الْزَموا التَّسويةَ في القَسْمِ والنَّفقةِ؛ لأنَّ هذا ممَّا يُستَطاعُ، والذي سَأَلَ رَبَّه ألَّا يَلومَه فيه ما كان لا يَملِكُه مِن نَفْسِه، هو ما جُبِلَتْ عليه القُلوبُ من المَيْلِ بالمَحَبَّةِ؛ وذلك ممَّا لا سَبيلَ للعبادِ إلى خِلافِه ودَفْعِه عنه، وهو المَعْنى الذي أخبَرَ عنه تَعالى أنَّهم لا يُطيقونَه مِن مَعاني العَدْلِ بيْنَ النِّساءِ.
وفي الحَديثِ: الحَثُّ على مَكارمِ الأخلاقِ في مُعامَلةِ الزَّوْجاتِ.
وفيه: دليلٌ على أنَّه لا حَرَجَ على مَن كان عندَه جَماعةُ نِسْوةٍ في إيثارِ بعضِهِنَّ في المَحَبَّةِ على بعضٍ، إذا سوَّى بيْنَهُنَّ في القِسْمةِ .