باب النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكلأ 2
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا عبدة بن سليمان، عن حارثة، عن عمرة
عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنع فضل الماء، ولا يمنع نقع البئر" (1).
الإسلامُ دِينُ التَّراحُمِ بينَ النَّاسِ، وقد حَثَّ أتباعَه على التَّكافُلِ، وحفْظِ المصالِحِ المُشتركةِ بينهم وأسبابِ الحياةِ، ومِن ذلك أنَّه جعَلَ الماءَ والكلَأَ والمراعِيَ الطَّبيعيَّةَ مُباحةً للنَّفعِ العامِّ، إلَّا ما تَمَّ تخصيصُه لآحادِ النَّاسِ بالطُّرقِ الشَّرعيَّةِ والمُتعارَفِ عليها في المُجتمعاتِ، وفي هذا الحديثِ تروي عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "لا يُمْنَعُ فضْلُ الماءِ"، أي: الماءُ الزَّائدُ عن الحاجةِ، "ولا يُمْنَعُ نقْعُ البِئرِ" وهو الماءُ المُجتمِعُ في البِئرِ، وهذا نهيٌ عن منْعِ الماءِ الزَّائدِ عنِ الحاجةِ، وكذلك الماءِ الجاري، أو الماءِ العامِّ غيرِ المملوكِ؛ لأنَّ ماءها لا يُمْلَكُ؛ لحديثِ: "المُسلمونَ شُركاءُ في ثلاثٍ: في الماءِ، والكلَأِ، والنَّارِ. ومثلُ ذلك المَنافِعُ العامَّةُ الَّتي تُوجَدُ في الصَّحاري، ولا يملِكُها أحدٌ وليست في حَوزةِ أحَدٍ؛ مثل المعادِنِ الجاريةِ، مثل المِلحِ والنِّفطِ، ولا ما ينبُتُ مِن الكلَأِ والشَّوكِ، ومَن أخَذَ منه شيئًا ملَكَه، إلَّا أنَّه لا يجوزُ دُخولُ مِلْكِ الغيرِ بغيرِ إذنِه.
ويكونُ صاحِبُ الماءِ أحقَّ بمَائِه حتَّى يكتفِيَ، ويكونُ للنَّاسِ ما فَضَلَ، إلَّا مَن مَرَّ بالماءِ ويُريدُ الشُّربَ له ولدوابِّه، فإنَّهم لا يُمْنَعونَ.
وقيل في قولِه: "لا يُمْنَعُ نقْعُ البِئرِ": كأنْ تكونَ البِئرُ بينَ شُركاءَ فيها الماءُ، فيكونَ للرَّجلِ فيها فضْلٌ، فلا يمنَعَ صاحِبَه. وقيل:: مَن كان له جارٌ انقطَعَ ماؤه، وله زرعٌ أو أصْلٌ، فلم يجِدْ ما يَسْقي به زَرْعَه أو حائطَه، وللجارِ الآخرِ بئْرٌ فيها فضْلٌ وزيادةٌ عن سَقْيِ زَرْعِه أو حائطِه، فلا يمنَعُ جارَه أنْ يسقِيَ بفضْلِ مَائِه. وفي كلِّ الأحوالِ: فليس له منْعُ فَضْلِ مَائِه عن أحدٍ يشرَبُ منه، أو يَسْقي ذا رُوحٍ، واختُلِفَ في الزَّرعِ والشَّجرِ.
وقيل: ليس النَّهيُ فيه على التَّحريمِ، لكنَّه مِن بابِ المعروفِ؛ فإنْ شَحَّ رجُلٌ على مائِه لم يُنْتَزَعْ مِن يدِهِ، والماءُ في هذا كَغيرِه مِن صُنوفِ الأموالِ لا يحِلُّ إلَّا بطِيبِ نفْسِ مالِكِه( ).