التَّوكُّلُ على اللهِ مِن مَعالي مَراتِبِ الإيمانِ؛ حيثُ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122]، ومِن أسبابِ الظَّفَرِ بحُبِّ اللهِ تعالى؛ حيثُ قالَ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، ومِن أسبابِ الرِّزقِ وكِفايةِ اللهِ العبدَ؛ حيثُ قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، ومع ذلك فقد أَمَرَ الشَّرعُ بالأخْذِ بالأَسبابِ؛ حتَّى لا يَتَحوَّلَ التَّوكُّلُ إلى تَواكُلٍ وكَسَلٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عَمرُو بنُ أُميَّةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رجُلًا سَألَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُستَفْهِمًا أيُّ الفِعلَينِ يُوافِقُ التَّوكُّلَ؛ هل هو رَبْطُ النَّاقةِ في مَكانٍ، أو تَرْكُها على حالِها ثُمَّ السَّعْيُ والذَّهابُ لأَحوالِه؟ فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "اعقِلْها وتَوكَّلْ"، أي: ارْبِطْ تلك النَّاقةَ في المَكانِ الذي تَرَكْتَها فيه حتى لا تَذْهَبَ وتَضِلَّ، ثُمَّ تَوكَّلْ على اللهِ سبحانه وتعالى واسْعَ في حاجتِك، وقيلَ: اعقِلْها، أيْ: شُدَّ رُكْبةَ ناقتِك مع ذِراعَيْها بحَبْلٍ.
وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الأخْذَ بالأَسبابِ لا يُنافي التَّوكُّلَ؛ لأنَّ التَّوكُّلَ يَخُصُّ القَلْبَ، والتَعرُّضَ بالأَسبابِ أَفعالٌ تَخُصُّ البَدَنَ، فلا تَناقُضَ.