باب في كراهية هدايا المشركين
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا أبو داود، عن عمران القطان، عن قتادة، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن عياض بن حمار، أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية له أو ناقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أسلمت»، قال: لا، قال: «فإني نهيت عن زبد المشركين»: هذا حديث حسن صحيح ومعنى قوله: «إني نهيت عن زبد المشركين»، يعني: هداياهم وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل من المشركين هداياهم وذكر في هذا الحديث الكراهية، واحتمل أن يكون هذا بعد ما كان يقبل منهم، ثم نهى عن هداياهم
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَتعَرَّضُ له المُسلِمونَ وغَيرُهم مِن أهلِ الكِتابِ والمُشرِكينَ بالهَدايا؛ تَوَدُّدًا ومَحبَّةً له. وفي هذا الحَديثِ يقولُ عِياضُ بنُ حِمارٍ رَضيَ اللهُ عنه: "وكانَ" عِياضٌ "حِرْميَّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الجاهِليَّةِ" والحِرْميُّ: يُطلَقُ على مَن كانَ مِن أهلِ الحَرَمِ، ويُطلَقُ على الصَّديقِ، والجاهِليَّةُ فَتْرةُ ما قَبلَ الإسلامِ؛ سُمِّيتْ به لِكَثرةِ جَهالاتِهم في تلك الفَترةِ؛ "فأهدى له هَديَّةً، فرَدَّها" لم يَقبَلْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عِياضٍ، وكانَ حينَئِذٍ مُشرِكًا، "وقالَ: إنَّا لا نَقبَلُ زَبَدَ المُشرِكينَ" يَعني: عَطاءَهم وهَديَّتَهم، ولَعَلَّ امتِناعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبَبِ ما يَرجوه ويُؤَمِّلُه مِن حَملِه على الإسلامِ؛ لِمَا كانَ بَينَهما مِن صَداقةٍ قَديمةٍ؛ وذلك لِأنَّه قد وَرَدَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَبولُ هدايا المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ وغَيرِهم. وقَبولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِبَعضِ هدايا غَيرِ المُسلِمينَ -كالنَّجاشيِّ مَلِكِ الحَبَشةِ، والمُقَوقِسِ عَظيمِ مِصرَ، وأُكَيدِرِ دُومةِ الجَندَلِ- قيلَ: لِأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَخصوصٌ بكُلِّ ما أفاءَ اللهُ عليه مِن غَيرِ قِتالٍ أنْ يَتمَلَّكَه ويَتصَرَّفَ فيه لِنَفْسِه فيما يَحتاجُ إليه، وغَيرُه بخِلافِه، فقَبِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِمَّن طَمِعَ فى إسلامِه واستِئلافِه لذلك، ولِمَصلَحةٍ يَرجوها لِلمُسلِمينَ، وكافَأ بَعضَهم عليها؛ كُلُّ ذلك تَمامًا لِلاستِئلافِ. وقدْ رَدَّ هَديَّةَ مَن لم يَطمَعْ فى إسلامِه، أو لم يَكُنْ لِقَبولِ هَديَّتِهم وَجهٌ ولا مَنفَعةٌ مِنَ الكُفَّارِ؛ إذْ قَبولُ الهَديَّةِ يُوجِبُ التَّوادَّ والمَحبَّةَ، وغَيرُه مِنَ الأئِمَّةِ والأُمراءِ لم يُسَوَّغْ له ذلك، ولا أخْذُها لِنَفْسِه. ومَن قَبِلَها فهي كسائِرِ فَيءِ المُسلِمينَ؛ إذا لم يُهدِها له إلَّا لِأنَّه إمامُهم. وقيلَ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إنَّما رَدَّ مِن هدايا المُشرِكينَ ما أُعلِمَ أنَّه أُهديَ إليه فى خاصَّةِ نَفْسِه، وقَبِلَ ما عَلِمَ منه خِلافَ ذلك مِمَّا فيه استِئلافُ المُسلِمينَ. وفي الحَديثِ: تَحمُّلُ الكافِرِ الحَديثَ وأداؤُه له بَعدَ الإسلامِ.