باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به
سنن الترمذى
حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني قال: حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن ناجية الخزاعي، صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطب من البدن؟ قال: «انحرها، ثم اغمس نعلها في دمها، ثم خل بين الناس وبينها، فيأكلوها» وفي الباب عن ذؤيب أبي قبيصة الخزاعي.: «حديث ناجية حديث حسن صحيح» والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا في هدي التطوع: إذا عطب لا يأكل هو، ولا أحد من أهل رفقته، ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه " وقال بعض أهل العلم: إذا أكل من هدي التطوع شيئا فقد ضمن الذي أكل "
_________
الهَدْيُ اسمٌ لِما يُهدى ويُذبَحُ في الحرَمِ مِن الإبلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْزِ، وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو قَبيصةَ ذُؤيبُ بنُ حَلْحَلةَ الخُزاعيُّ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يَبعَثُ مَعه بالبُدْنِ -وهي الأنعامُ الَّتي تُهْدى إلى بيتِ اللهِ الحرامِ- ثُمَّ يقولُ لَه: «إنْ عَطِبَ مِنها شَيءٌ»، أي: أصابه أمرٌ مِن مرَضٍ أو تعَبٍ يَغلِبُ معه هَلاكُها وموتُها قبْلَ وُصولِها إلى مَوضعِ الذَّبحِ، «فانْحَرْها» واذْبَحْها في مَكانِها، «ثُمَّ اغمِسْ نَعْلَها» المُقلَّدَةَ بها في دَمِها، «ثُمَّ اضرِبْ» بهذا النَّعلِ المُلطَّخِ بالدَّمِ على صَفحتِها، أي: اجعَلِ النَّعلينِ على جانبِ سَنامِ البُدنِ؛ ليكونَ ذلك عَلامةً مَعروفةً؛ لكيْ يَعرِفَها مَن يمُرُّ بها، فمَن جاء بعْدَهم يَنظُرُ إليها ويَعرِفُ أنَّها هدْيٌ، وقد عَطِب، فيَأكُلُ منها دونَ حرَجٍ، فلا يَحسَبُها مَيتةً؛ وذلك أنَّ الطُّرقَ الَّتي يَسلُكُها النَّاسُ في أسفارِهم كانت مَعروفةً مِن قِبَلِ غيرِهم، وأيضًا فإنَّ العادةَ الغالبةَ أنَّ ساكِنِي الصَّحراءِ -البَدْو- وغيرَهم، يَتَّتبعون مَنازلَ الحجيجِ لالتقاطِ ما خلَّفوه في أماكنِ راحتِهم، «وَلا تَطعَمْها أنت ولا أَحدٌ مِن أهلِ رُفْقتِك»، أي: لا يَأكُلْ منها، سَواءٌ كان فَقيرًا أو غَنيًّا، وفي هذا قطْعُ الذَّريعةِ؛ لئلَّا يَتوصَّلَ بعضُ النَّاس إلى نحْرِ الهدْيِ، أو تَعييبِه قبْلَ أوانِه.
وفي الحَديثِ: التَّرغيبُ في بَعثِ الهَدايا إلى مكَّةَ، والتَّوكيلُ فيها إنْ لم يَذهَبْ بنفْسِه.