باب ما جاء في الخروج عند الفزع3
سنن الترمذى
حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم من أجرأ الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس»
الشَّجاعةُ مِنَ الصِّفاتِ المَمدوحةِ، وقدِ اتَّصَفَ بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وظَهَرتْ في كَثيرٍ مِنَ المَواقِفِ في حَياتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَروي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان أحسَنَ النَّاسِ خَلْقًا وخُلُقًا، وأكثَرَهم عطاءً لِمَا يَقدِرُ عليه، وأكثَرَهم إقدامًا على العَدُوِّ في الجِهادِ مع عَدَمِ الفِرارِ، واقتِصارُ أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه على هذه الأوصافِ الثَّلاثِ مِن جَوامِعِ الكَلِمِ؛ لِأنَّها أُمَّهاتُ الأخلاقِ، ويَحكي أنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه موقفًا يَدُلُّ على شَجاعةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ فَزِعَ أهلُ المَدينةِ لَيلةً لَمَّا سَمِعوا صَوتًا قَويًّا، فخَرَجوا مُتوَجِّهينَ ناحيةَ هذا الصَّوتِ، فتَلَّقاهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راجِعًا وقدِ استَكشَفَ الخَبَرَ وعَرَفَ حَقيقَتَه، وكان راكبًا على فَرَسٍ لِأبي طَلْحةَ بغَيرِ سَرْجٍ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتقَلِّدًا سَيفَه، ومُعَلِّقَه في عُنُقِه، فقال -مُهَدِّئًا مِن رَوْعِهم وخَوفِهم-: «لم تُراعوا، لم تُراعوا»، فلا تَخافوا خَوفًا مُستَقِرًّا، أو خَوفًا يَضُرُّكم، ثمَّ قال لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -مُخبِرًا عنِ الفَرَسِ-: «وَجَدتُه بَحرًا»، فشَبَّهَ الفَرَسَ بالبَحرِ؛ لِسَعةِ جَرْيِه مع انسيابِه وخِفَّتِه مِثلَ البَحرِ.
وقيلَ: كان يُسَمَّى ذلك الفَرَسُ المَندوبَ، بمَعنى المَطلوبِ، وكان بَطيئًا ضَيِّقَ الجَرْيِ، فانقَلَبَ حالُه ببَرَكةِ رُكوبِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأصبَحَ سَريعًا، ويُشَبَّهُ الفَرَسُ إذا كان جَوادًا بالبَحرِ؛ لاستِراحةِ راكِبِه به كَراكِبِ الماءِ إذا كانتِ الرِّيحُ طَيِّبةً.
وفي الحَديثِ: بَيانُ ما أكرَمَ اللهُ تَعالى به نَبيَّه مِن جَليلِ الصِّفاتِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ سَبقِ الإنسانِ وَحْدَه في كَشفِ أخبارِ العَدُوِّ ما لم يَتحَقَّقْ مِنَ الهَلاكِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ رُكوبِ الدَّابَّةِ بدونِ سَرْجٍ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الغَزوِ على الفَرَسِ المُستَعارِ.
وفيه: تَبشيرُ النَّاسِ بعْدَ الخَوفِ إذا ذَهَبَ.