باب ما جاء في الشفاعة4
سنن الترمذى
حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثياته»: «هذا حديث حسن غريب»
أجزَل اللهُ عزَّ وجلَّ العَطاءَ لأمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في الدُّنيا والآخرةِ، وممَّا أجزَله لهم في الآخِرَةِ ما ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ بقولِه: "وعَدَني ربِّي أن يُدخِلَ الجنَّةَ مِن أمَّتي سَبعين ألفًا"، قيل: إنَّ المرادَ بهذا العدَدِ هو المبالَغةُ في الكثرةِ، وقيل: بل مُنتَهى العددِ، "لا حِسابَ عليهم ولا عَذابَ"، أي: لن يَمُرُّوا بعذابٍ ولن يُناقَشوا لحسابٍ، "مع كلِّ ألفٍ"، أي: مِن هؤلاءِ السَّبعين، يَدخُلُ معَهم: "سَبعون ألفًا"، "وثلاثُ حَثَياتٍ مِن حثَياتِه"، والحَثْيةُ ما يَحْثوه الإنسانُ بيَدَيه مِن ماءٍ أو تُرابٍ أو غيرِ ذلك، ويُستعمَلُ فيما يُعْطيه المعطي بكفَّيه دَفعةً واحدةً، وأُريدَ بها الدَّفعاتُ، أي: يُعطي بعدَ هذا العدِّ المنصوصِ عليه ما يَخْفى على العادِّين حَصْرُه وتَعدادُه؛ فإنَّ عَطاءَه الَّذي لا يَضبِطُه الحسابُ أوْفَى وأَرْبَى مِن النَّوعِ الَّذي يتَداخَلُه الحسابُ، وخاصَّةً أنَّه قال: "مِن حثَياتِ اللهِ عزَّ وجلَّ"، فهؤلاء يَدخُلون الجنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ، وقيل: المرادُ: أنَّ عددَ ما يَملَأُ تِلك الحثَياتِ الثَّلاثَ هو مَن يَدخُلُ الجنَّةَ فقط، وقيل: بل المرادُ أنَّ مع كلِّ ألفٍ سَبعينَ ألفًا وثلاثَ حثياتٍ، فيكونُ مجموعُ الحثَياتِ: ثلاثَ حثياتٍ في سَبعين مرَّةً، معَ تنزيهِ اللهِ تعالى عن مُشابَهةِ الخَلْقِ في الحَثْوِ؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ ليس كمِثلِه شيءٌ، وكيفيَّةٌ حَثْوِ اللهِ لا يَعلَمُها إلَّا اللهُ سبحانه.