باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة1
سنن الترمذي
حدثنا قتيبة، وأبو سعيد الأشج قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد، والذهب، والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة» وفي الباب عن عمر، وعامر بن ربيعة، وأبي هريرة، وعبد الله بن حبشي، وأم سلمة، وجابر.: «حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن مسعود»
ما مِن عَملٍ يُخلِصُه العبدُ للهِ لا يَشوبُه شائبةٌ إلَّا كان أجرُه عندَ اللهِ عظيمًا.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عَبدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه: قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "تابِعوا بينَ الحَجِّ والعُمرةِ"، أيِ: اجعَلوا أحدَهُما تابِعًا للآخَرِ واقعًا على عَقِبِه، أي: إذا حَجَجتُم فاعتَمِروا، وإذا اعتَمَرْتُم فحُجُّوا؛ فإنَّهما مُتتابعانِ، وقيل: يَحتمِلُ أنْ يُرادَ إتْباعُ أحدِهما الآخَرَ، ولو تَخلَّل بينهما زمانٌ، بحيثُ يَظهرُ مع ذلك الاهتِمامُ بِهما، ويُطلَقُ عليه عُرْفًا أنَّه رَدِفَه، وتَبِعَه.
وهذا الاحتِمالُ أظهَرُ؛ إذِ القَصدُ الاهتمامُ بِهما، وعدمُ الإهمالِ، فيَكونُ الأمرُ بالمُتابعةِ بينهُما للإرشادِ؛ "فإنَّهما يَنفيانِ الفَقرَ والذُّنوبَ، أي: فإنَّ المُتابعةَ بين الحَجِّ والعُمرةِ سَببٌ في زوالِ الفَقرِ، وسببٌ لغُفرانِ الذُّنوبِ، ومحوِها "كما يَنفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ"، أي: بمثلِ ما يُستخدَمُ الكيرُ في إزالةِ ونَزْعِ الشَّوائبِ العالقةِ بأصلِ المعادنِ وتَنقيتِها، والكِيرُ: ما يَنفُخُ به الحَدَّادُ في النَّارِ.
قيل: إنَّ أعمالَ الحجِّ والعُمرةِ منَ الطَّاعاتِ إنَّما تُكفِّرُ الصَّغائرَ؛ فأمَّا الكبائرُ فإنَّما تُكفَّرُ بِالتَّوْبَةِ أو رَحْمَةِ اللهِ وفَضلِه، ولكنَّ هذه الطاعاتِ رُبَّما أثَّرتْ في القَلبِ فأورَثَت توبةً تُكفِّرُ كلَّ خَطيئةٍ.
"وليس للحَجِّ المبرورِ" والمبرورُ مُشتَقٌّ مِن البِرِّ، وهو بمعنى: المَقبولِ وهو الَّذي لا يُخالِطُه إثمٌ، "ثوابٌ دونَ الجنَّةِ"، أي: أنَّه لا يُقتصَرُ لصاحبِه مِن الجَزاءِ على تَكفيرِ بَعضِ ذُنوبِه، بل لا بُدَّ أن يدخُلَ الجنَّةَ.
وفي الحديث: بيانُ فَضلِ المتابعَةِ بين الحجِّ والعُمرةِ.