باب ما جاء في فضل شهر رمضان2
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: حدثنا عبدة، والمحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» هذا حديث صحيح ": «حديث أبي هريرة الذي رواه أبو بكر بن عياش حديث غريب، لا نعرفه من رواية أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا من حديث أبي بكر» وسألت محمد بن إسماعيل، عن هذا الحديث، فقال: حدثنا الحسن بن الربيع قال: حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن مجاهد قوله: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان» فذكر الحديث. قال محمد: «وهذا أصح عندي من حديث أبي بكر بن عياش»
في هذا الحديثِ بِشارةٌ عظيمةٌ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن وُفِّق لصيام شهرِ رمَضانَ كلِّه عند القدرةِ عليه، (إيمانًا واحتسابًا)، المرادُ مَن صامه تصديقًا بالأمرِ به، عالِمًا بوجوبِه، خائفًا مِن عقابِ تركِه، محتسِبًا جزيلَ الأجرِ في صومِه، وهذه صفةُ المؤمِنِ؛ فمَن صام رمضانَ على الوجهِ المطلوبِ شرعًا مؤمِنًا بالله وبما فرَضه اللهُ عليه، ومحتسِبًا للثَّوابِ والأجِر مِن اللهِ- فإنَّ المَرْجُوَّ مِن اللهِ أن يغفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذنوبِه.
ثم يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضلَ ليلةِ القدرِ، وأنَّ مَن أحيَا هذه اللَّيلةَ المبارَكةَ بالصَّلاةِ وتلاوةِ القرآنِ، غفَر اللهُ له ذنوبَه السَّابقةَ- غيرَ الحقوقِ الآدميَّةِ؛ لأنَّ الإجماعَ قائمٌ على أنَّها لا تسقُطُ إلَّا برِضاهم- على أنْ يفعَلَ ذلك "إيمانًا واحتسابًا"، أي: تصديقًا بفضلِ هذه اللَّيلةِ، وفضلِ العملِ فيها، وابتغاءً لوجهِ اللهِ في عبادتِه.
وقد وقَع الجزاءُ بصيغةِ الماضي (غُفِرَ) مع أنَّ المغفرةَ تكونُ في المستقبَلِ؛ للإشعارِ بأنَّه متيقَّنُ الوقوعِ، مُتحقِّقُ الثُّبوتِ، فضلًا مِن اللهِ تعالى على عبادِه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على قيامِ رمضانَ، وفيه الحثُّ على الإخلاصِ، واحتسابِ الأعمالِ.