باب نكاح من أسلم من المشركات وعدتهن 2
بطاقات دعوية
وعنه: كانت قريبة بنت أبى أمية عند عمر بن الخطاب، فطلقها، فتزوجها معاوية بن أبى سفيان، وكانت أم الحكم ابنة أبى سفيان تحت عياض بن غنم الفهرى، فطلقها، فتزوجها عبد الله بن عثمان الثقفى.
شرعَ اللهُ عزَّ وجَلَّ لعبادِه ما يُصلِحُ حالَهم في المعاشِ والمعادِ، ومن ذلك ما شرعه اللهُ سُبحانَه في تعامُلِ المُسلِمين مع المُشرِكين في السِّلمِ والحَربِ.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما تَعامُلَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع مَن هاجَرَ إليه فِرارًا بدِينِهِ مِنَ الضَّعَفةِ، وهم: النِّساءُ، والمَماليكُ، وبيَّن أنَّ حُكمَهم يَختلِفُ باخْتِلافِ حالِ المُشركينَ، فذكر أنَّ المُشرِكين لم يكونوا فئةً واحدةً، وإنما انقَسَموا لفئَتَينِ: أهلُ الحَربِ يُقاتِلُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويُقاتِلونه، وقِسمٌ آخَرُ بينهم وبين النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَهدٌ، فلا يُقاتِلُهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولا يُقاتِلونَه.
فإنْ كان المُشركون أهْلَ حرْبٍ فَهاجَرَتْ مِنهمُ امرأةٌ وقدْ أَسْلَمَتْ، فلا يُمكِنُها الزَّواجُ حتَّى تَحيضَ وتَطْهُرَ، فيُتَيَقَن أنَّها ليْستْ بِحاملٍ مِن زَوْجِها المُشركِ، فَيَحِلُّ لها الزَّواجُ بعْدَ ذلك، فإنْ لم تَتَزوَّجْ وقَدِمَ زوْجُها الأوَّلُ بعْدَ إسلامِهِ فإنَّها تُرَدُّ له، وأمَّا المَمْلوكُ رجُلًا أو أَمَةً إذا قَدِمَ مُهاجرًا فإنَّه يكونُ حُرًّا، وله حُقوقُ المُهاجرينَ.
ثُمَّ ذَكَر التابعيُّ عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ أحكامَ أهلِ العَهْدِ، وأنَّها كالأحْكامِ الَّتي في حَديثِ مُجَاهِدٍ، ويُحتَملُ أنه يَعنِيَ بِحديثِ مُجَاهِدٍ الَّذي وَصَفَه بالمِثْليَّةِ؛ الكلامَ المذكورَ بعْدَ هذا، وهو قولُه: «وإنْ هاجَر عَبْدٌ أو أَمَةٌ للمُشرِكين...»، ويُحتَملُ أنْ يُريدَ به كَلامًا آخَرَ يَتَعلَّقُ بنِساءِ أهْلِ العَهْدِ، وهو أَولى؛ لأنَّه قَسَّمَ المُشركينَ إلى قِسْمين: أهلِ حربٍ، وأهلِ عَهْدٍ. وَذَكَر حُكْمَ نِساءِ أهلِ الحَربِ، ثمَّ حُكْمَ أَرِقَّائِهم، فكأنَّه أحالَ بِحُكمِ نِساءِ أهلِ العَهْدِ على حَديثِ مُجَاهِدٍ، ثمَّ عقَّبَه بذِكْرِ حُكْمِ أَرِقَّائِهم، وهو: إنْ هاجَرَ المملوكُ فإنَّه لا يُرَدُّ لهم، ولكنْ للعَهْدِ الَّذي بيْن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبيْنهم، فإنَّهم يُعوَّضون قِيمةَ المَمْلوكِ.
وقدْ ذَكَرَ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه طَلَّقَ زَوجَتَه قَرِيبَةَ بِنتَ أَبي أُمَيَّةَ، وكانت مُشرِكَةً فتَزوَّجَها مُعاويَةُ رضِيَ اللهُ عنه قبْلَ إسلامِه، وكذلك طلَّقَ عِياضُ بنُ غَنْمٍ رضِيَ اللهُ عنه زَوْجَتَه أُمَّ الحَكَمِ بنْتَ أبِي سُفْيَانَ، وكانتْ مُشْركةً، فتَزوَّجَها عَبْدُ اللهِ الثَّقَفِيُّ، وكان هذا لَمَّا نزَلَ قولُه تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10].